الصخرة الرمادية .. أفضل طريقة للتعامل مع الشخصيات السامة

الصخرة الرمادية تعتبر من أحد أفضل الاستراتيجيات الفعالة التي تساعدك على التعامل مع الاشخاص السامة والنرجسيين والسيكوباتيين لتجنب الصدامات الغير مرغوب فيها معهم. وذلك عن طريق عدم الاستجابة وتجنب ابداء أي ردة فعل علي سلوكهم الضار تجاهنا.

من أين جاء مصطلح الصخرة الرمادية ؟

مصطلح الصخرة الرمادية تم صياغته للمرة الأولى من مدون علم نفس يدعى "skyler" في مقال تم نشره على موقع "loveFraud" عام 2012. تحدث "Skyler" عن خلاصة تجربته في الحياة لسنوات طويلة مع الشخصية السيكوباتية. وعن نجاح ذلك التكنيك في تحويل تصرفات الشخصيات المؤذية عنك ووضع حدود مناسبة لهم تجنبك أذاهم النفسي. ويكمن المعنى خلف إسم ذلك الأسلوب في أن نحاول أن نتعامل مع الشخصيات المؤذية بطريقة تجعلنا بالنسبة لهم كالصخور الرمادية التي يمشي المارة بجوارها من دون أن تلتفت لها أنظارهم بسبب لونها المحايد. فنحن لو مررنا بجوار صخور لونها مميز أو فاقع (أحمر / أزرق / وردي) بالطبع سننتبه وستنجذب لها أنظارنا، في حين أن الصخور الرمادية لا تعتبر ذات شكل مميز بالتالي لا يلتفت لها أحد.

ووفقًا لـ Skyler تتمثل هذه الطريقة في أن تكون تصرفاتنا وتعاملاتنا تجاه الشخصيات المؤذية محايدة تمامًا كاللون الرمادي، وجافة كالصخور. الأمر الذي يدفع مع الوقت هذه الشخصيات لفقدان اهتمامهم وشغفهم تجاهنا لأنهم لا يحصلون من جانبنا على أي شيء يغذي احتياجاتهم النفسية. فنصبح بالنسبة لهم غير مرئيين تمامًا كالصخور الرمادية على جوانب طرق المارة.

كيف يعمل تكنيك الصخرة الرمادية ؟

الصخرة الرمادية هو تكنيك يستخدم لتحويل سلوك الشخص السام عنك وتشتيته. وذلك عن طريق عدم الاستجابة، وتجنب إبداء أي رد فعل تجاه تصرفاته أو التفاعل معه. علي سبيل المثال تجنب الاتصال بالعين وعدم إظهار أي مشاعر أو رد فعل اثناء محادثته أو التعامل معه.

يكمن السبب في نجاح ذلك التكنيك في ان الشخص السام أو المؤذي يتغذى ويستمد طاقته بشكل كامل من ردود أفعالنا تجاه تصرفاته السامة. فعلى سبيل المثال يتغذى الشخص النرجسي نفسيًا على حب لفت الانتباه، وعلى الصراعات، والدراما (محاولات إثبات بأنه الطرف المظلوم دائمًا في القصة). لكن عندما تتحكم في ردود أفعالك تجاهه وتجعلها حيادية قدر الامكان، بحيث لا تعطيه بأفعالك ما يريد، فإنك بذلك سوف تفقده الحافز النفسي الذي يرضيه ويدفعه لاستفزازك. بالإضافة إلى ان عدم وجود رد فعل من جانبك تجاهه سوف يجعله مع الوقت يحول انتباهه الى شخص آخر بحثًا عن ردود الفعل التي يسعى إليها. او على الأقل سوف يقلع عن سلوكياته السامة تجاهك.

ووفقا لنادين فان دير ليندن، اخصائية علم النفس السريري بجمعية ماساتشوستس لعلم النفس التحليلي. أنه يمكن استخدام تكنيك الصخرة الرمادية كرد فعل للسلوك المسيء والمسيطر والمتلاعب. فهي تدرب عملائها على استخدام هذه الطريقة بشكل مناسب للتعامل مع السلوكيات السلبية.

اقرأ أيضًا: كيف أتعامل مع الزوج النرجسي ؟

متى نستخدمه؟

عندما تقابل في حياتك شخص سام، فمن المرجح انك ستفضل الانعزال عنه. فعلى سبيل المثال لنفترض ان لديك صديق سام، يجعلك حذر دائما وتمشي علي قشور البيض في التعامل معه. فسوف يدفعك ذلك مع الوقت للتفكير في الابتعاد عنه وتجنبه.

لكن أحيانًا لا يكون من السهل الابتعاد عن الشخص السام. فمثلا اذا كان ذلك الشخص في مكان عملك رئيس او زميل مؤذي او شريك حياة، أو شخص من أفراد عائلتك. فمن الصعب ان تنعزل عنه، والتعامل معه امر لابد منه، هنا تظهر اهمية استخدام تقنية الصخرة الرمادية. لتتمكن من التعامل مع تلك الاشخاص في محيطك، وتحقيق اهدافك والحفاظ على الحدود، ووقف السلوكيات السلبية تجاهك.

كيف تستخدم أسلوب الصخور الرمادية ؟

هناك اربعة ركائز اساسية تجعلك تتقن تكنيك الصخرة الرمادية وهي كما يلي:

ابق نفسك محايدا ومنفصلا.
لا تعطي الشخص السام انتباهك.
اجعل تفاعلك معهم سطحي، وأحاديثك عامة ومختصرة.
لا تعطي معلومات شخصية.

وفيما يلي تفسير كل من تلك الامور، مع توضيح كيفية استخدام التكنيك بطريقة فعالة .

1. ابق محايد ومنفصل:

واحدة من اهم العناصر ان تبقى محايدا، أن تلتزم اعطاء اي ردة فعل وعدم اظهار أي عاطفة عند التعامل مع شخص سام حتى لا تعطيهم رد الفعل الذي يريدونه وذلك عن طريق :

التحدث بنبرة محايدة (لا سعادة ولا حزن، ولا غضب ولا ضيق).
تجنب الاتصال بالعين، لأن الاتصال المباشر بالعين يساعد في مشاركة مشاعرك وزيادة عمق التواصل بالشخص الآخر. وهذا عكس ما نرجوه تماما في حالة ممارستك لطريقة الصخرة الرمادية. لذلك يجب عليك تجنب التواصل بالعين والتركيز علي شيء اخر. فمثلا اذا اراد الشخص السام جذب انتباهك بأي طريقة أو بالاستفزاز، ركز في ان لديك مهمة اخرى وتظاهر بالانشغال .
اعطاء ردود فعل غير انفعالية (حتي مع الاستفزاز).
تقليص لغة الجسد قدر الامكان، وذلك من خلال محو تعابير وجهك اما بالابتسام او العبوس. لنفترض ان الشخص الذي تتعامل معه بتكنيك الصخرة الرمادية يريد ان يسحب منك رد فعل معين. في تلك الحالة يجب عليك استخدام طرق اخرى للارتخاء وتهدئة النفس مثل تمرين التنفس، لتفريغ مشاعر التوتر التي انتابتك وبالتالي عدم الاستجابة لرغبته أو لاستفزازك. وبالتالي تجنب إظهار أي شكل من أشكال لغة الجسد التي تعبر عن مشاعرك.

2. لا تعطيهم اهتمامك:

تحتاج الاشخاص السامة وخصوصا النرجسيين الى الاهتمام والمدح فهم يستمدون أهمتيهم وطاقتهم باستمرار من إهتمام الآخرين. لذلك فإن عدم تغذية غرورهم بأسلوب ذكي ومحايد من جانبك سوف يؤدي مع الوقت الى الانصراف بانتباههم عنك. وسيفقدون الامل في الانتفاع نفسيًا منك.

3. اجعل تفاعلاتك سطحية وأحاديثك عامة و مختصرة:

بالتأكيد أنت ترغب ان تتجنب التفاعل والحوار مع تلك الشخصيات قدر الامكان، لكن اذا كان هذا الشخص في محيط المنزل او العمل فأنت حينها تكون مضطر للتواصل والحديث معهم. في هذه الحالة احرص على أن تكون المحادثات ليست خاصة أو على إنفراد، أو وجهًا لوجه. وإذا كنت مضطرا في أحد المواقف الى الكلام أو التحدث بشكل شخصي الى شخص سام، فيجب عليك التحدث في امور عامة مثل الطقس، أو السلع، أو الموضة، أو الأمور الحياتية، وتجنب سؤالهم عن حياتهم الشخصية.

4. لا تعطي معلومات شخصية:

تجنب اعطاء معلومات شخصية عن نفسك، او ابداء رأيك حول أي موضوع شخصي. الاهم من ذلك أنه يجب عليك عدم اظهار للشخص المؤذي انك تمارس تكنيك الصخرة الرمادية ضده. لأنه اذا اكتشف انك تمارسه عن قصد فسوف يزيد ذلك من وقوده، ومن حدة سلوكه تجاهك.

متى تتجنب طريقة الصخرة الرمادية ؟

في حقيقة الامر لا يمكن لأي شخص طبيعي ان يمكث لفترة طويلة من حياته يتصرف وكأنه "صخرة رمادية".

بالرغم من فاعلية هذا الأسلوب مع الشخصيات المؤذية، لكن ينصح ان يتبع هذا التكنيك بشكل مؤقت، بحيث يكون قصير الأمد تجاه السلوك المؤذي او المتلاعب. وليس أسلوب حياة مستمر يلازمنا طوال حياتنا لأن ذلك سيتطلب أن نغير من طباعنا بشكل دائم سعيًا للتأقلم او الشعور بالأمان.

ومن ناحية اخرى، ليس بالضرورة ان يكون الطرف الآخر شخص سام ومؤذي، لكن من الممكن أن يكون فقط شخص مزعج في طباعه. مما يجعل اسلوب الصخرة الرمادية فعالا في تغيير سلوكه تجاهك للأفضل، أو ربما تحويل انتباهه وطاقاته الى مكان اخر. اذا لم يحدث ذلك، فإن الانسحاب الرسمي في الوقت وبالطريقة الصحيحة يكون الحل الأمثل على المدى البعيد.

مخاطر طريقة الصخور الرمادية:

ممارسة هذه الطريقة لا تخلو من المخاطر، فيجب عليك قبل ممارستها ان تدرك عيوبها المحتملة وكيفية تأثيرها عليك، قد تتسبب هذه الطريقة في النتائج التالية:

1. تصاعد سلوك الشخص المؤذي تجاهك:

ان الهدف الاساسي من تلك الطريقة هو حمايتك من الشخص السام وتوقف سلوكه العدائي ضدك. بطريقة مثالية، فإن عدم انغماسك معه وإنجرافك خلف تصرفاته السامة تجاهك سيفقده الانتباه ويجعله ينصرف عنك. ولكن أحيانًا تأتي هذه الطريقة بنتائج عكسية، فبدلا من ان يفقد السام انتباهه، قد يؤدي اهمالك له الى احباطه مما قد يزيد من إصراره ومن وطئه سلوكه السلبي تجاهك للحصول علي رد فعل منك.

2. أثر نفسي سلبي عليك:

يتطلب التعامل بتلك الطريقة ان تنفصل عاطفيا تمامًا عن الشخص السام. فمثلا اذا قال لك شيء ليستفزك، فيجب عليك مقاومة الرغبة في الرد وعدم تناول ذلك الطعم. ذلك التصرف يجعلك تقمع مشاعرك، الأمر الذي قد يؤثر سلبيًا علي صحتك النفسية. حيث أن التعبير عن العواطف والمشاعر يساعد في جعلك اكثر هدوءًا واتزانًا. لذلك اوضحت الدراسات ان قمع المشاعر قد يشكل خطرا علي الصحة النفسية والعقلية. بالتالي لا تصلح هذه الطريقة لأن تكون حل طويل الاجل للتعامل مع السلوكيات السامة، وإنما تصلح كحل مؤقت فقط.

3. تكنيك الصخور الرمادية يتطلب الكثير من التدريب والممارسة:

اذا كنت تتسم بشخصية اجتماعية وودودة، فإنك ستحتاج الي الكثير من التدريب وتغيير بعض من طباعك لإتقان ذلك الأسلوب. قد يبدو للبعض ان التظاهر بعدم الاكتراث قد يكون يبدو سهلا، لكنه في حقيقته أمر يتطلب الكثير من المجهود والمهارة والتعود.

الخلاصة:

احيانًا يكون كل ما هو مطلوب في العلاقات، الحوار وايجاد ارضية تفاهم مشتركة بين الطرفين للشعور براحة في التعامل مع شخص معين او حتي الارتباط به. وإن لم نتمكن من تحقيق هذه المساحة المشتركة، وفي حالة تعرضنا لسلوك مسيء من شريك الحياة أو من شخص في محيط حياتنا، يمكننا إتباع تكنيك الصخرة الرمادية مع الأخذ في الاعتبار أنه حل قصير الاجل، ولا يجب استخدامه كحل للتأقلم ولا يصلح لاتباعه كأسلوب حياة نظرًا لأثره السلبي على صحتنا النفسية والعقلية.

المصادر

https://www.betterup.com/blog/grey-rocking

https://www.youtube.com/watch?v=MUlPiFzMkuo

https://www.youtube.com/watch?v=u9s9IELQ-UY

بحث هذه المدونة الإلكترونية

فشار بالكراميل