إدمان التجارب العاطفية الفاشلة

 

لا يوجد بيننا من يبحث بإرادته عن التجارب العاطفية الفاشلة. كلنا نبحث ونرغب في علاقة حب ناجحة، كلنا نبحث عن أصحاب المميزات. عن شخص له مظهر جميل ورومانسي وحنون وواثق من نفسه وناجح.
لكن ما يحدث على أرض الواقع كثيراً ما يكون عكس ذلك. قد تجد أو تجدين نفسك أمام شخص مزاجي عصبي، أناني ومحب للسيطرة وقليل التقدير.

وقد يحدث أن يتكرر مع نفس الشخص في أكثر من تجربه عاطفية أن يشعر بإنجذاب عاطفي دائمًا تجاه شخصيات لديها نفس العيوب. في كل مرة يقرر فيها الإرتباط العاطفي.
رغم معاناته بسبب هذه العيوب مع شخص آخر في تجربة سابقة. بدون أن يفهم أنه مسئول عن ذلك الإختيار بشكل لا شعوري!

إدمان التجارب العاطفية الفاشلة

هل تكرار التجارب العاطفية الفاشل، وسوء الحظ المتكرر في حب يمكن ألا يكون صدفة. ويمكن أن يكون للأمر أسباب علمية ونفسية أكثر من مجرد الحظ والقسمة والنصيب ؟؟

أم أن الشخص نفسه يسعى كل مرة نحو نفس الشكل من العلاقة العاطفية الغير ناجحة رغم فشله كل مرة؟؟

نعم وفقًا لعلماء النفس هناك ما يسمى إدمان التجارب العاطفية الفاشلة 
في مقال منشور على موقع رأي الدكتورة والمعالجة النفسية Lisa Fireston.  والمنشور على موقع Psychology today.

تقول الدكتورة ليزا في مقالها، أننا لكي نفهم علاقاتنا العاطفية وميولنا ومشاعرنا تجاه الأشخاص الآخرين في الحاضر. ينبغي على كل شخص منا أن يراجع نفسه وحياته في الماضي أولاً. التجارب الحياتية والعلاقات الشخصية التي تحكمت في طفولتنا هي أكثر الأشياء التي تتحكم في اختياراتنا العاطفية وقت النضوج.

طموحنا وأحلامنا بالحب الحقيقي والتوافق التام بيننا وبين شركاء حياتنا. أمر طبيعي لا يوجد بيننا من يحلم بعلاقة مليئة بالمشاكل والدراما والتعقيدات. لكن ما يحدث على أرض الواقع مرتبط بشكل أساسي بالعقل الغير واعي.

اقرأ أيضًا: خطورة العلاقات السامة

كيف يؤثر الجانب الغير واعي -العقل الباطن- من تفكيرنا في ميولنا وتجاربنا العاطفية؟

ما يحدث في الماضي مسئول بشكل أساسي عن تشكيل الجانب الغير واعي في تفكيرنا والذي بدوره يتحكم بشكل أساسي في ميولنا العاطفية ومشاعرنا. بمعنى أنه لو كان هناك شخص ينعم في طفولته بالإهتمام الزائد والرعاية  من المحيطين به سيميل في نضوجه إلى الشخص الذي سيوفر له نفس الإهتمام، والعكس صحيح. الشخص الذي واجه في طفولته الكثير من مشاعر الرفض وعدم الاطمئنان فهو للأسف في شبابه ومراهقته. يميل بشكل لا شعوري نحو الأشخاص الذين سيشعر معهم بنفس هذه المشاعر القديمة التي اعتاد أن يشعر بها في طفولته حتى إن كانت مشاعر سلبية!

ذلك لأن الجزء الغير واع في عقولنا يفضل دائماً نفس المكان والمناخ الذي اعتاد عليه من قبل مهما كان كان متعب وغير مريح. ذلك أفضل بكثير من اكتشاف منطقة جديدة من المشاعر مجهولة بالنسبة له حتى وإن كانت إيجابية..

تحكي د. ليزا عن مثال واضح على إدمان التجارب العاطفية الفاشلة متمثل في قصة زوجين خضعا معها لكورس علاجي لإصلاح حياتهما الزوجية. كانت مشكلة الزوجين هي أن الزوجة متحكمة جداً تأخذ معظم القرارات بنفسها، والزوج معظم الوقت بعيد عن إتخاذ أي قرار. ولطالما سبب ذلك لهما الكثير من المشاكل والخلافات.

خضعا الزوجين إلى تمرين بسيط وفق الكورس العلاجي الذي وضعته لهما "ليزا". وهو أنهما يلتزم الزوج لمدة أسبوع كامل باتخاذ كل القرارات المتعلقة بحياتهما وأن تتجنب الزوجة التدخل في أي قرار طوال ذلك الأسبوع. كانت النتيجة أن الزوج اعترف أنه في اليوم الأول من الكورس العلاجي عندما خرج بصحبة زوجته وجد نفسه قد أوقف سيارته في منتصف الرحلة وهو عاجز عن إستكمال الطريق بدون أن تملي عليه زوجته أي إتجاه يتخذ فهو اعتاد منها على أن تتحكم حتى في الطرق التي يسلكها أثناء القيادة! وهنا ظهرت المشكلة بوضوح.

نحن نميل بمشاعرنا إلى الأشخاص الذي يمتلكون صفات تضغط على الوتر الحساس الموجود في شخصياتنا.

ذلك الوتر الحساس هو المشاعر القديمة أو المناخ الذي اعتاد العقل الباطن عليه، مهمًا كان سلبي

الزوج مستاء من تصرفات وسيطرة زوجته واستحواذها على كل القرارات في حياتهما، لكن في نفس الوقت حين أتيحت له فرصة التغيير بأن يصبح هو المتحكم تماماً لم يتمكن من فعل ذلك. وهذا هو ببساطة تعريف مصطلح  إدمان التجارب العاطفية الفاشلة ، ذلك الزوج هو مثل للشخص المدمن لذلك الشكل من العلاقات العاطفية ولن يتمكن من تغييرها، ولا يرغب لنوع أو لشكل علاقة أخرى بسهولة مهماً عبر عن ضيقه وعدم سعادته.

الانجذاب للتجارب العاطفية الفاشلة يمثل تحدي كبير للكثير من الأشخاص الذين يملكون بداخلهم الميل نحو تعزيز ما يسمى المنطقة المريحة Comfort zone  داخل العقل الغير واعي التي تميل إلى تكرار مشاعر الطفولة القديمة المألوفة وتعزيزها في علاقات جديدة (حتى إن كانت سلبية). وتنفر من فكرة إختبار مشاعر جديدة حتى وإن كانت إيجابية وتتفق أكثر مع التفكير الواعي وأحلام وطموحات الشخص.

اقرأ: سنجل أم مرتبط، أيهما أفضل؟

الأمر لا يقتصر فقط على الإنجذاب بالمشاعر والتفكير الغير واعي نحو الأشخاص الذين يملكون عيوب تكرر نمط العلاقات القديمة التي تأثرنا بها، ولكن قد يحدث كثيراً أن يكون لدى بعض الأشخاص عند شعورهم بالميل بمشاعرهم نحو شخص ما أن يحاولون تشويهه بشكل غير واعي (مثل افتراض معنى خفي في كلامه أو في تصرفاته غير موجود من الأصل). لكن الأمر يعود لبحث العقل الباطن عن المساحة المألوفة التي اعتاد عليها وإن عجز عن إيجادها للأسف البعض يقوده عقله الباطن لإختلاقها !

مثال آخر على ذلك تحكي الدكتورة ليزا عن صديقة لها حدث خلاف بينها وبين زوجها بسبب عدم تحمسه للسفر وقضاء العطلة معها بسبب إنشغاله وقت طويل في عمله وفسرت ذلك بأنه عدم إهتمام متعمد. في حين أن الزوج كان يرى أنهم من الأفضل لهما قضاء الوقت بالبيت بمفردهما بدلاً من الذهاب لأماكن مزدحمة بالناس. بما معناه أن ما كان في نيته وتفكيره أمر مناقض تماماً لما افترضته الزوجة. وهذه القصة تجسد بشكل واضح المعنى المقصود من التشويه الغير واعي لأفعال الطرف الثاني.

بل قد يحدث كثيراً أن يلجأ البعض إلى الإستفزاز المتعمد لشركاء حياتهم. والضغط عليهم في سبيل تحقيق أو الحصول على شيء غير ضروري بالمرة وفي توقيت غير مناسب. تحت تأثير الوهم بأن الطرف الآخر غير محب وغير مهتم بدرجة كافية، والسعي لإثبات ذلك الوهم. وللأسف الاستفزاز والتشويه المتكرر لأفعال الطرف التاني من أكثر الأفعال المؤذية والمدمرة لأي علاقة عاطفية. والتي تحول أي شخص مهما كانت درجة إهتمامه وحبه لحبيبه كبيرة إلى شخص غير مهتم وغير مبالي بالفعل وبالتالي تنهار العلاقة العاطفية تدريجياً.

الخلاصة

إذا كنت تشعر أنك ربما تعاني من إدمان الفشل في الحب، لا تيأس.
فهمك لمشكلتك وطبيعتها، وأن ماضيك متحكم بشكل كبير في اختيارك لشريك حياتك سيجعلك تحافظ على أكبر مساحة وعي ممكنة في التعامل مع الأشخاص الذين تنجذب مشاعرك نحوهم. سيساعدك ذلك على إختيارك للشريك الذي يكمل صفاتك الإيجابية بدلا من أن تختار شخص يعزز عيوبك.

إدراكك أنك لديك مشكلة في عقلك الباطن وأنك تسعى شكل غير واعي لمساحة من المشاعر القديمة المألوفة لتحققها مرة أخرى في حاضرك سيساعدك على مقاومة الأفكار السلبية، وسوء الفهم والتفسير الخاطئ لتصرفات وكلام الطرف الثاني.

تذكر دائماً أنك كلما حافظت على السلوك الواعي العقلاني في مسار علاقتك العاطفية كلما ستبتعد عن الاختيارات الخاطئة. والسلوكيات المؤذية لأي علاقة كان من الممكن أن تكون ناجحة لولا ميولك الغير واعية.

رابط المقال : Psychology today

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النرجسي السيكوباتي .. نموذج حي للشيطان على الارض

حقائق مهمة عن اضطراب ثنائي القطب

تطبيقات الذكاء الاصطناعي للدعم النفسي