ما هو الاكتئاب المبتسم ؟

 بقلم: سالي حجازي


ما هو الاكتئاب المبتسم؟

ظهر مؤخرًا على ساحة الطب النفسي مسمى جديد لمرض الاكتئاب يطلق عليه "الاكتئاب المبتسم".
ذلك النوع من الاكتئاب هو عبارة عن اكتئاب مقنع. يظهر فيه الشخص غالبًا في مظهر شخص ضحوك، و نشيط، ومتفاءل. لكنه يخفي خلف ذلك حالة من المعاناة الدائمة مع التوتر والغضب والقلق والكثير من المشاعر السلبية، يصر على إخفائها عن أصدقائه والمحيطين به ويفضل البقاء عليها بينه وبين نفسه فقط. يحرص دائمًا على إخفاء مشاعره السلبية خلف الابتسامة والأحاديث الضاحكة.

خطورة ذلك النوع من الاكتئاب تكمن في أنه يصعب اكتشافه ليس من المحيطين بالمريض فقط ، بل كثيرًا ما يجهل الشخص المصاب حقيقة إصابته بالاكتئاب ظنًا منه أنه طالما قادر على الضحك فهو بالتأكيد لا يعاني من أي ضرر نفسي يتسحق المساعدة الطبية وهو الظن الخاطئ تمامًا.

 

الشخص المصاب بالاكئتاب المبتسم بجانب كونه شخص يجيد المرح والضحك كثيرًا ما يكون شخص ناجح وظيفيًا أو اجتماعيًا. لذلك يستثنى عنه فكرة الاصابة بالاكتئاب تحت أي ظرف نظرًا لكونه شخص ناجح، له علاقات جيدة بالمحيطين كما أنه قادر على الضحك والإبتسامة معظم الوقت، وهو للأسف اعتقاد خاطئ تمامًا. وعدم اكتشاف حقيقة الأمر ومواجهته والتعامل مع أعراضه السلبية بشكل علمي وصحيح، من الممكن أن يؤدي لزيادة المشكلة.

اقرأ أيضًا: أعراض الاكتئاب وأشهر أنواعه

 

"الاكتئاب المبتسم" ليس يعد حتى الآن تشخيصاً عياديًا أو معترف به من منظمة الصحة العالمية كنوع من أنواع الاكتئاب، لكنه يتبع أحد أنواع الاكتئاب الشهيرة بإسم "الاكتئاب اللانمطي". ذلك النوع يعاني فيه المريض من أعراض الاكتئاب لفترات طويلة من حياته لكنه يستجيب للمؤثرات والأحداث الإيجابية من حوله بشكل مؤقت، فتختفي الأعراض السلبية وتظهر حسب الأحداث الحياتية والمناخ المحيط بالمصاب.

 أعراض الاكتئاب المبتسم:

على الرغم من أن الأشخاص المصابون بالإكتئاب المبتسم غالبًا ما يكونون أشخاص ناجحين وظيفيًا واجتماعيًا بجانب مظهرهم الإجيابي وحواراتهم المبهجة. لكنهم للأسف يواجهون  الكثير من الأعراض الشائعة التي تصاحب كافة أنواع الاكتئاب الأخرى.
أهما وأكثرها انتشارًا:

  • تغيرات في الشهية:

    التغيرات الملحوظة في الشهية التي تتسبب في تغيير الوزن إما بالزيادة الكبيرة أو نقصان ملحوظ. تغيرات الوزن وإضطرابات الشهية من أكثر الأعراض المألوفة في كل أنواع الاكتئاب بشكل عام.

  • إضطرابات النوم:

    ما بين النوم فترات طويلة وعدم الرغبة في مغادرة السرير تحت تأثيرالشعور بالإجهاد المستمر والخمول والرغبة في المزيد من النوم، وما بين البقاء لساعات طويلة في محاولة للتغلب على الأرق وصعوبة النوم المتواصل لفترة معقولة. البعض من مصابي الاكتئاب المبتسم قد يواجهون ليالي كاملة بدون الحصول على نوم عميق ولو لساعة واحدة!

  • أفكار ومشاعر سلبية معظم الوقت:

    مثلًا الشعور بالذنب لأمور بسيطة. الضيق، والغضب السريع. قلة الثقة بالنفس والشعور بفقدان القيمة والدونية، اليأس، الحساسية تجاه النقد.

  • فقدان الرغبة:

    فقدان الرغبة في كل شيء، حتى في القيام بالأنشطة التي كان يحبها الشخص المصاب سابقًا. مريض الاكتئاب بشكل عام يواجه صعوبة في القيام بهامه اليومية مثل العمل أو الدراسة أو المهام المنزلية. وفي الغالب يؤديها ببطء وصعوبة لعدم رغبته الحقيقية في القيام بأي شيء.

ما الذي يدفع المريض إلى إخفاء الاكتئاب خلف الابتسامة؟

بالتأكيد لابد من وجود أسباب تدفع الشخص المصاب بالاكتئاب للتخفي خلف المظهر الضاحك والابتسامة الدائمة، كما ذكرت أحيانًا يجهل المريض حقيقة إصابته بالاكتئاب من الأصل رغم مواجهته للكثير من الأعراض الشائعة. لكن في معظم الأوقات يدرك الشخص المصاب ذلك الشيء لكنه يصر علىا الاحتفاظ به لنفسه، وأحيانًا إنكاره وتجاهله تمامًا. يشعر المريض في هذه الحالة بإرتياح أكبر لفكرة إخفاء ألمه خلف قناع الضحك والابتسامة.

يمكننا حصر أهم الأسباب في النقاط التالية:

  1. عدم الإثقال على المحيطين به:

    الاكتئاب والشعور بالذنب وجهان لعملة واحدة!المكتئب يشعر بالذنب في حق المحيطين به لأبسط الأسباب –وأحيانًا بدون سبب- وبالتالي معظم المصابين بالاكتئاب لا يميلون إلى البوح أو الحديث عن معاناتهم أو لحظات آلامهم الداخلية بهم كرغبة في عدم الإثقال على من حولهم. بالتحديد حينما يكون الشخص اعتاد أن يكون مسئول عن الآخرين أكثر من كون الآخرين مسئولين عنه، أو اعتاد أن ينظر له الآخرون على أنه مصدر إيجابية ودعم نفسي. بالتالي يصعب عليه إظهار معاناته الداخلية لهم وطلب مساعدتهم، فهو يفضل الاحتفاظ بذلك الأمر لنفسه وأخفاءه خلف الابتسامة والمظهر الضاحك كونه لم يعتاد على طلب المساعدة من المقربين منه وإنما اعتاد على تقديمها فقط.

  2. الخجل:

    النظر لمرض الاكتئاب باعتباره مرض نفسي، قد يشكل عيب أو علامة من علامات الضعف في شخصية صاحبه. الكثير من مصابي الاكتئاب المبتسم يخافون من فكرة البوح أو ظهور علامات الاكتئاب عليهم خوفًا من أن يستغله أي من المحيطين بهم ضدهم بشكل أو بآخر.
    كذلك تصديق وجهة النظر -الغير دقيقة - عن أن الاكتئاب مجرد حالة نفسية التغلب عليها لو أن الشخص المصاب قرر ذلك. وهو الظن الخاطئ تمامًا بالطبع. الاكتئاب مرض يتطلب كثيرًا جلسات علاج نفسي وأحيانًا علاج دوائي حتى يتمكن المريض من تجاوزه.
    لكن ذلك الاعتقاد الخاطئ عن مواجهة الاكتئاب يبعث داخل الشخص المصاب شعور بالخجل حينما يدرك عدم قدرته على تجاوز الاكتئاب بمفرده. بالتالي يفضل إخفاءه خلف سلوك ومظهر إيجابي.

 

  1. الانكار:

    الإنكار يعتبر من أكبر أسباب إصرار الشخص على إخفاء الاكتئاب خلف الابتسامة. إنكار الشخص أنه مصاب بالاكتئاب من الأصل. الكثير من الناس يعتقدون أنهم ماداموا قادرين تكوين علاقات جديد وعلى الضحك والابتسامة فهم بالتأكيد بعيدين تمامًا عن الاكتئاب. يبدو الأمر لهم أكثر سهولة ليصدقوا أن حالتهم النفسية بخير طالما أنهم يضحكون. عن الاعتراف بما يشعرون في داخلهم بشكل حقيقي.

  2. الخوف على الحياة المهنية:

    حرص الشخص على وظيفته وحياته المهنية يدفعه بشكل لا شعوري لإخفاء الاكتئاب. إذ يظن الكثير أن الشخص المصاب بالاكتئاب لن تكون لديه قدرة كبيرة على القيام بمهامه الوظيفية. لاسيما في الوظائف التي تتطلب قدرات ذهنية كبيرة وثقة بالنفس (مثل المحاسبة والمحاماة) أو الظهور أمام الناس بشكل محدد مثل العمل في الفن والتمثيل على خشبة المسرح.

  3. تجنب اللوم:

    الاكتئاب أسبابه نسبية جدًا ومتفاوتة وتختلف من شخص لآخر. لكن قليلون من يتفهمون هذه الحقيقة.
    معظم المصابين بالاكتئاب يتعرضون للوم من حولهم حينما تظهر عليهم أعراض حالتهم النفسية. خاصة حينما يتمتع أحدهم بحياة جيدة من وجهة نظر الآخرين ولديه ما ليس لدى غيره. لكن المشكلة أن معظمنا يجهل أن الاكتئاب لا يخضع لهذه الحسابات المنطقية، وليس مرضًا اختياريًا، مريض الاكتئاب يواجه أعراض أكبر من أن يستطيع التحكم فيها والتغلب عليها بمفرده.

    تحت تأثير هذه الثقافة الشائعة، ولوم المحيطين يشعر المصاب بلوم الذات لإصابته بالاكتئاب. إذ لا ينبغي أن أشعر بذلك طالما أنني لدي الكثير من الأشياء الجيدة في حياتي! لا يوجد سبب قوي حتى أصبح مريض بالاكتئاب. بالتالي يفضل إخفاء الاكتئاب خلف الضحك هربًا من لوم الآخرين أو لومه لذاته.

  4. هوس السوشيال ميديا:

    السوشيال ميديا في كل العالم مؤخرًا يعتبر سببًا رئيسيًا في انتشار المفاهيم الخاطئة عن الآخرين، وعن السعادة وعن أبسط قيم وأساسيات الحياة النفسية والاجتماعية. البعض يقضي ساعات على السوشيال ميديا يتابع المشاهير والشخصيات العامة وكل منهم يسعى لإظهار أفضل ما لديه. فيتكون لديه بالتدريج اعتقاد خاطئ بأنه الوحيد الذي يشعر بعدم سعادة، بينما الجميع سعداء ولديهم حياة هادئة ووردية معظم الوقت. الأمر الغير صحيح بالطبع فالجميع يواجهون مشاكل وتعثرات في حياتهم. لكن عندما يتكون لدى أي شخص ذلك الاعتقاد على المدى الطويل يكون الحل الأقرب له أن يتظاهر هو الآخر بالسعادة وينكر مواجهته للاكتئاب سعيًا للتأقلم مع العالم المحيط به، ورغبة في الظهور بأفضل شكل ممكن على السوشيال ميديا.

 

  1. المثالية:

    الأشخاص الذين يسعون إلى الكمال في الغالب يكونون حريصين على الظهور بشكل مثالي أمام الآخرين. الاعتراف أو التعبير عن أنه يواجه مرض مثل الاكتئاب بالنسبة له هو اعتراف بأنه ليس كاملًا ولا يستطيع أن يكون مثاليًا. لذلك إخفاء الاكتئاب هو أقرب الحلول المنطقية بالنسبة لهم.

اقرأ أيضًا: الجوانب الإيجابية لأعراض التوتر والضغط النفسي!

 

 

من أبرز المشاهير الذين عانوا من الاكتئاب المبتسم كانت سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني.  من يتأمل حواراتها الصحفية في الفترة الأخيرة من حياتها يدرك كم كانت تعاني من الاكتئاب لسنوات طويلة من حياتها، ربما بدون أن تدرك ذلك. صرحت في أحد الأحاديث الصحفية عندما سئلت هل زارت التطبيب النفسي من قبل أجابت أجابت بأنها قررت البحث عن مساعدة نفسية بعد معاناة طويلة مع نوبات البكاء و اضطرابات النوم والكوابيس المتكررة.

ما هو الاكتئاب المبتسم

كذلك لم يكن الكثير يعلمون بأن مارلين مونرو تعاني من أعراض الاكتئاب الحاد. التي كانت تصل إلى درجة الهلاوس الذهنية وسماع أصوات غير موجودة، بالشكل الذي جعلها تتناول المهدئات والأدوية بشكل مستمر. الأمر الذي تحدث عنه زوجها الكاتب المسرحي "أرثر ميلر" في أحد اللقاءات أنها كانت موهوبة وذكية لكنها كانت في معاناة دائمة ضد الاكتئاب بالشكل الذي جعل من زواجهما زواج غير سعيد بالمرة. كان ارثر ميلر يتعجب في نفس الوقت من قدرتها على الابتسامة الدائمة، ومن حرصها على الظهور للجماهير في شكل امرأة سعيدة دائمًا!

 

ما هو الاكتئاب المبتسمكذلك قد يخفى على الكثير أن الكوميديان اللامع "جيم كاري" كافح الاكئتئاب فترات طويلة من حياته رغم قدرته الكبيرة على إضحاك جماهيره!

الأفكار الانتحارية:

جميع مرضى الاكتئاب معرضين بشكل أو بآخر لخطر الأفكار الانتحارية والتفكير في قتل الذات، كوسيلة لإنهاء معاناتهم. خاصة في حالة عدم وعيهم بطبيعة مرضهم وأبعاده ورفضهم زيارة الطبيب أو التزامهم ببرنامج علاجي، مما يسبب زيادة المشكلة وحدة الأعراض التي يواجهها المريض كل يوم. الأمر الذي يجعل الأشخاص ذوي الاكتئاب المبتسم هم أكثر عرضة للأفكار الانتحارية عن غيرهم من مرضى الاكتئاب. نظرًا لأنهم لم يخضعوا لأي نوع من أنواع العلاج، وبالطبع لم يلحظ المحيطين بهم إصابتهم بالاكتئاب، كما أنهم لم يعترفوا بالأمر للمقربين منهم، ولا حتى لأنفسهم. وعدم خضوع مريض الاكتئاب للعلاج للأسف يؤدي مضاعفة الأثر السلبي، وزيادة نسبة الخطر.

اقرأ أيضاً: الميول الانتحارية وعلاجها

العلاج:

الاكتئاب المبتسم –اللانمطي حسب المسمى الطبي- بالطبع شأنه شأن كل أنواع الاكتئاب يمكن علاجه حسب تشخيص الطبيب ونوع الحالة سواء بجلسات العلاج النفسي، أو بالأدوية، وأحيانًا بتغيير المريض لبعض من أساليب حياته كإتباع حمية لنقص الوزن أو ممارسة الرياضة أو تغيير المكان أو السفر لو أمكن ذلك.

الجزء الأهم في علاج ذلك النوع من الاكتئاب هو مواجهة المريض لنفسه وأعترافه بالأمر، بدلًا من الإصرار على إخفاءه. إنكار الأمر وتجاهل الأعراض لفترات طويلة للأسف يمكن أن تؤدي بالمصاب لنتائج أسوأ.

 

الخلاصة:

الاكتئاب المبتسم هو مصطلح يطلق على مصاب الاكتئاب الذي يجيد إخفاء أعراض مرضه عن الآخرين خلف الابتسامة والضحك. ذلك النوع من الاكتئاب الذي غالبًا ما يكون صاحبه له شبكة علاقات اجتماعية قوية والكثير من الاصدقاء لكن للأسف معظمهم لا يدركون أنه مريض اكتئاب لمجرد أنه يضحك ويبتسم للجميع. في حين أن المريض يفضل في هذه الحالة الاحتفاظ بالأعراض التي يوجهها ربما كل يوم لنفسه. والتي قد تشمل اضطرابات النوم والشهية، ومشاعر الاحباط واليأس والشعور بالدونية.

خطورة ذلك النوع تكمن في أنه يصعب اكتشافه من المحيطين بالمصاب، بل وأحيانًا قد لا يدرك المصاب نفسه أن هذه الأعراض التي يواجهها كل يوم هي أعراض مرض الاكتئاب وأنه للأسف قد يحتاج لمساعدة طبية.
لذلك أصحاب مرض الاكتئاب المبتسم يواجهون خطر التعرض للأفكار الانتحارية أكثر من غيرهم من مصابي الاكتئاب الذين يخضعون للعلاج بالفعل أو على الأقل يدركون طبيعة وضعهم. نظرًا لكونهم فضلوا إخفاء المشكلة عن محاولة علاجها بشكل صحيح.

تنويه:

في النهاية ينبغي التنويه أنه ليس كل من يمر بحالة نفسية سلبية هو بالضرورة شخص مكتئب، مرض الاكتئاب يحتاج إلى تشخيص دقيق من قبل طبيب متخصص، لكن إن كنت تشك أنك تواجه خطر الاكتئاب وترغب في التأكد يمكنك القيام ببعض الاختبارات السريعة المتاحة على المواقع الطبية المتخصصة مثل :

اختبار موقع وزارة الصحة المصرية
اختبار مركز أبحاث الصحة العالمية، جامعة كاليفورنيا، بسان فرانسيسكو
موقع شيزلونج

 

(الاختبار لا يحدد التشخيص بشكل دقيق لكن كلما كانت أجاباتك دقيقة كلما ساعد ذلك في إعطاء مؤشر هل أنت بحاجة لزيارة الطبيب أم لا)

 

المصادر

https://www.verywellmind.com/what-is-smiling-depression-4775918

https://www.researchgate.net/publication/338987674_Smiling_depression_an_emerging_threat_Let's_Talk

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النرجسي السيكوباتي .. نموذج حي للشيطان على الارض

حقائق مهمة عن اضطراب ثنائي القطب

تطبيقات الذكاء الاصطناعي للدعم النفسي