أعراض التوتر والضغط النفسي والجوانب الإيجابية المصاحبة لها

 

أعراض التوتر والضغط النفسي

تتعدد الأسباب ما بين الإجهاد البدني، أو الإخفاقات العاطفية، الوظيفية أو حتى الدراسية. لكن في النهاية تتشابه الأعراض لدى معظمنا.

من الثابت أيضاً في نظرتنا التقليدية للتوتر والضغط النفسي أنه يؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية والجسدية والتصرفات السلوكية. التوتر والضغط العصبي بالتأكيد يصاحبه زيادة واضحة في معدل ضربات القلب وزيادة سرعة التنفس. أحياناً تتزايد الأعراض وتتعدد بحيث تصبح أكثر سلبية وأشد ضرراً على الجانبين الجسدي والنفسي.

لكن وفقاً لبعض الأخصائيين النفسيين، هناك مفهوم أو جانب ظهر مؤخراً بشأن أعراض الضغط العصبي والتوتر. وهو أنه ليس دائماً بهذا السوء ولا بهذه الخطورة التي نظنها. وإنما قد تشكل الأعراض المصاحبة له بعض الجوانب الإيجابية من الناحية النفسية وحتى الجسدية!

هل لـ أعراض التوتر و الضغط النفسي أن تحمل جوانب إيجابية يمكننا لأجسادنا الاستفادة منها؟

الواقع ما يحدث في الجسم من أعراض مصاحبة للضغط والتوتر مثل إفراز هرمونات الأدرينالين وهرمون الإجهاد.  والتي تؤدي لحدوث استجابات الجسدية تحدث تحت تأثير ما يطلق عليه إستجابة ( fight – flight – freez ).

بمعنى (قتال، هروب، اختباء). وهي استجابة الجسد والجهاز العصبي عند الشعور بالخطر. كذلك عند التعرض لمواقف ضغط عصبي أو نفسي. بدون هذه التغييرات الهرومنية والفسيولوجية لن تتمكن من مساعدة نفسك على مواجهة الموقف الحرج الذي تواجهه. أيا كان نوع الموقف هل هو خطر حقيقي مثل (سيارة مسرعة، أو حيوان أو كلب يطاردك)، أو موقف متعلق بالتوتر والضغوط النفسية الحياتية.

 

كيف تساعد الهرمونات المصاحبة لإستجابة  fight flight freeze الجسد في التصرف بشكل افضل خلال الأوقات الحرجة ؟

يحدث ذلك من خلال أكثر من استجابة جسدية. كل استجابة منها تساعد الجسد وتمهد له القيام بوظيفة ما مثل:

  • ارتفاع ضربات القلب: زيادة معدل النبض تؤدي إلى تدفق الاكسجين بشكل أسرع إلى عضلاتك.
  • زيادة سرعة التنفس: تساعد على وصول المزيد من الاكسجين للدم.
  • اتساع مساحة الرؤية وقوة الملاحظة، كذلك ترتفع حدة السمع.

وفقاً لأكثر من وجهة نظر لعلماء النفس أن الخطر الحقيقي في أي أعراض مصاحبة للتوتر هي قناعتك بأن هذه الأعراض تشكل خطر على صحتك أكثر منها تساعدك على مواجهة المواقف الصعبة.

كتاب "The Upside of stress - الوجه الآخر للتوتر"

Kelly McGoniga الأخصائية النفسية ومؤلفة كتاب The Upside of stress، الوجه الآخر للتوتر. تتحدث عن ذلك الموضوع  من خلال فيديو تحفيزي شهير على منصة Ted أنها اكتشفت من خلال عملها في مجال الصحة النفسية ومحاولة مساعدة الناس أنها قضت حوالي أكثر من 10 سنوات تؤكد لمرضاها بأن التوتر هو أكثر العوامل التي تشكل خطر على صحتهم. وأن الضغط العصبي من أكثر الأشياء التي ستزود خطورة إصباتهم بمختلف الأمراض الجسدية بداية من البرد والأنفلوانزا وصولاً لأمراض القلب وجلطات المخ... الأمر الذي يحول الضغط العصبي والتوتر تلقائياً إلى عدو في نظر من يسمعون منها هذه النصيحة.

تغيرت نظرة kelly بعد أن قضت سنوات من تسعى لإقناع كل من تحاول مساعدته بأن يتجنب التوتر لأن أكثر الأشياء خطورة على الإطلاق بسبب دراسة علمية!

دراسة أجريت على حوالي 30 ألف شخص بالغ في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 8 سنوات، تم سؤال المشاركين في الدراسة عن حجم الضغط الذي تعرضوا له خلال السنة الماضية وهل يؤمن كل شخص منهم بأن الضغط العصبي أمر مضر بصحته؟ بعد مرور 8 سنوات قام فريق الدراسة بسماع التسجيلات مرة أخرى، ومتابعة الأشخاص الذين أجريت عليهم الدراسة.

 

اقرأ أيضًا: كيف تتغلب على الشعور بالوحدة 

النتيجة ؟

وفاة 43% من الأشخاص الذين كانوا يعانون من نسبة ضغط عصبي مرتفعة خلال السنة التي سبقت الاستبيان. لكن الملحوظة المهمة بشأن نتيجة الدراسة هي أن نسبة الوفيات من بين المشتركين كان متركزة فقط بين الأشخاص الذين اعتقدوا أن الضغط العصبي أمر مضر بالفعل لصحتهم الجسدية!

في حين أن هناك أشخاص أجابوا بأنهم مروا بنسب توتر وضغط عصبي عالية لكنهم في قناعتهم الشخصية لا يعتبرون التوتر أمر مؤثر أو مضر لصحتهم بدرجة كبيرة.. فكانت نسب الوفيات أو الإصابة بأمراض خطيرة بينهم خلال الثماني سنوات كانت أقل مقارنة بالفريق الآخر.

تشير Kelly  خلال حديثها في نفس الفيديو إلى دراسة أخرى أجريت بجامعة هارفارد لمحاولة قياس ردود أفعال المشتركين واستجاباتهم الجسدية أثناء مواجهتهم لمواقف تشكل ضغط نفسي مثل ( مواجهة كاميرا مثبتة عليهم، اضاءة قوية، اشخاص يسمعونهم بشكل غير إيجابي .. عد تنازلي لأرقام كبيرة بصوت مرتفع ... ).

وفي نفس الوقت تم توعية المشاركين في الدراسة قبل إجتياز الاختبار بضرورة إعادة النظر في إستجابتهم الجسدية للتوتر، والتنويه لهم بأن هذه الأعراض ليست مضرة بالشكل الذي يظنونه وإنما من وجهة النظر العلمية يمكن أن يكون لها مزايا صحية مثل : النبض المتسارع للقلب يجهز جسدك لقدرات حركية أكبر، تسارع النفس ليس مضر بقدر ما هو مغذي للمخ بالأكسجين ... وهكذا.

النتيجة ؟

كانت كالمتوقع أن المشاركين الذين تم توعيتهم بهذه الشكل كانوا أقل تأثراً بعوامل الضغط النفسي، وأكثر ثقة في اداء الاختبار،مما يؤكد نظرة أن الاستجابة والتأثر الجسدي بالتوتر والضغط النفسي متعلقة بنظرتنا للأعراض وليس بالأعراض نفسها.

تغيير نظرة المشتركين في الدراسة تجاه سرعة ضربات القلب مثلا، بأنها ليست أمر مضر كما يظنون ولن تؤدي بالضرورة بالإصابة إلى مرض خطير كما نعتقد. أدى إلى أن معظمهم ظهر لديه حالة استرخاء في الأوعية الدموية أثناء الاختبار – بالرغم من سرعة النبض- وحسب وصف أصحاب الدراسة ظهرت شكل الأوعية الدموية مسترخية فيما يشبه أوقات الفرح والشجاعة!

ثم تطرقت kelly في حديثها عن الوجه الخفي من الضغط العصبي. عن علاقة وأثر الضغط على الحياة الاجتماعية للشخص. إذ أن هناك جانب آخر إيجابي مفيد للتوتر والضغط على المستوى النفسي، وهو أنه يجعل منك شخص إجتماعي!

كيف يمكن أن تؤثر أعراض التوتر والضغط النفسي بشكل إيجابي على حياتنا الاجتماعية؟

هناك دراسة أخرى أجريت على حوالي 1000 شخص بالغ في الولايات المتحدة. على مدار خمس سنوات أعمارهم ما بين 34 و 93 عام. ارتكزت الدراسة على سؤالين: ما هو حجم الضغط الذي تعرضت له السنة الماضية؟ - كم من الوقت قضيت في مساعدة الأصدقاء والجيران والناس من حولك خلال هذا العام؟

وبعد خمس سنوات تم الرجوع للسجلات الحكومية لمعرفة هل هناك وفيات من بين المشاركين في الدراسة. لتظهر النتائج بالفعل نسب وفيات ملحوظة بين الأشخاص الذين مروا بأوقات حرجة. حيث ذهبت الدراسة إلى أن كل تجربة صعبة (صعوبات مادية، إنفصال أو أزمات أسرية، فشل وظيفي أو دراسي) بنسبة تصل إلى 30% ولكن كان من الملحوظ حدوث ذلك بسبب حالة استسلام الشخص التام للتجربة والأوقات الصعبة.

في حين أن الأشخاص الذين عبروا في أجاباتهم عن أنهم رغم مرورهم بأوقات حرجة يقضون أوقات ملحوظة مع الأصدقاء والجيران ولديهم علاقات اجتماعية قوية كانت نسبة الوفاة بينهم (صفر) !

تشير نتائج هذه الدراسة إلى نقطة في غاية الأهمية بخصوص علاقة أعراض الضغط العصبي بأحد أشهر الهرمونات العصبية في جسم الإنسان والذي يسمى هرمون الأوكسيتوسين.

الأوكسيتوسين هو هرمون يتم إفرازه بواسطة الغدة النخامية نتيجة محفزات حسية معينة. وأهميته تكمن في أنه الهرمون المسئول عن التحكم في الغرائز الاجتماعية. وتعزيز العلاقات الزوجية والأسرية، حتى أنه كثيراً ما يطلق عليه هرمون الحب، كما أن نقص هرمون الأوكسيتوسين في الجسم يعتبر من أهم مسببات إصابة الشخص بالتوحد والاكتئاب!

علاقة هرمون الأوكسيتوسين بالجانب إيجابي من أعراض الضغط العصبي

أظهرت بعض الدراسات الحديثة أن فكرة إفراز هرمون الأوكسيتوسين أحيانًا تكون جزء من الاستجابة للضغوط الاجتماعية، وفقًا لدراسة منشورة عام 2006 بمجلة Psychosomatic Medicin / عدد مارس- أبريل. كشفت الدراسة النساء اللائي عبرن عن وجود فجوات أو أزمات في حياتهن أو مشكلة عاطفية لديهن مستويات أعلى من الأوكسيتوسين عن اولئك اللائي عبرن عن وجود مستويات أقل من الضغوط النفسية في حياتهن!

مما يشير بوضوح وجود علاقة قوية بين تعرض الإنسان للضغوط العصبية والإجتماعية وإفراز هرمون الأوكسيتوسين. والذي يزداد تحت تأثير القلق أو التوتر أو الضغط بشكل يجعل من الشخص لديه رغبة أكبر في تعزيز العلاقات الاجتماعية كنوع من البحث عن الدعم وحماية النفس. بحيث تظهر إستجابة أو رد فعل الشخص المصاب التوتر من خلال سعيه إلى الإتصال أو التواصل مع الأصدقاء أو أي من أفراد العائلة. والحديث عن مشكلته بدلًا من كتمانها.. والعكس صحيح .

الأمر الذي يعزز الروابط الاجتماعية بيننا وبين الآخرين ويجعلنا في المقابل نصبح مصدر دعم للمقربين لنا وقت مشاكلهم. كما كانوا هم مصدر دعم لنا، ولو حتى بمجرد الإنصات للثرثرة والفضفضة وقت تعرضنا لمشكلة.

وبالطبع تعترف كيلي صاحبة كتاب Upside of stress ، هذه النتائج بالتأكيد كان لها أثر كبير على مهنتها وغيرت الكثير من أهدافها كأخصائية ومعالجة نفسية. إذ لم يعد هدفها إقناع مرضاها بضرورة العمل على تجنب الضغط العصبي والتخلص منه، وإنما تغير هدفها إلى تغيير نظرتهم إلى أعراض التوتر. بحيث تتغير إستجابة أجسادهم تجاه أعراض الضغط العصبي مثل الأنفاس السريعة والنبض المرتفع لتتحول إلى إستجابة إيجابية وفقٌا لاعتقادهم الجديد بأن هذه الأمور ليست قاتلة كما يظنون بل بالعكس ربما تكون مفيدة لصحتهم.

كذلك تنبيه أي إنسان إلى أنه ليس مضطر لمواجهة عقبات الحياة والضغوط النفسية بمفرده، وأن الحديث عنها ومشاركتها مع الآخرين. وفي المقابل دعمه للمحيطين به وقت إحباطهم، سيزيد من مناعته وقدرته على التعامل مع أضرار التوتر والضغط العصبي.

اقرأ أيضًا: الاكتئاب المبتسم

الخلاصة:

يبدو بوضوح  وفقًا للعديد من الآراء ونتائج أكثر من دراسة في هذا الجانب. أن الأضرار الصحية السلبية للتوتر والضغط النفسي هي في واقعها أمر إختياري أكثر مما كنا نظن. تغيير نظرتنا للأعراض المصاحبة لاوقات التوتر. واعتقادنا بان هذه الأعراض ليست بالخطورة التي كنا نتصورها، بل أنها ممكن أن تكون مفيدة لأجسادنا على المستوى الصحي.

علاوة على أنها ستساعدنا على تعزيز العلاقات الاجتماعية والأسرية الموجودنا في حيانا. بالتأكيد سيزيد ذلك من ثقتنا بأنفسنا، وقدرتنا على التفكير الهادئ المنظم لحل المشاكل والتحديات التي أصبحت تواجهنا كل يوم في مختلف جوانب حياتنا.

تغيير نظرتنا السلبية للضغط العصبي، والأعراض المصاحبة له هي أفضل طريقة للتعامل الصحيح معه.

مصادر:

https://www.healthline.com/health/mental-health/fight-flight-freeze

https://www.ted.com/talks/kelly_mcgonigal_how_to_make_stress_your_friend?language=en#t-190636

https://www.tebfact.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B3%D9%8A%D8%AA%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%86/

https://www.apa.org/monitor/feb08/oxytocin

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النرجسي السيكوباتي .. نموذج حي للشيطان على الارض

حقائق مهمة عن اضطراب ثنائي القطب

تطبيقات الذكاء الاصطناعي للدعم النفسي