ما هو معنى توأم الروح؟ وكيف يوثر على حياتنا العاطفية؟

 

يقول أرسطو "الحب هو روح واحدة تسكن جسدين". هذا هو ببساطة معنى توأم الروح. حسب ما يراه الكثير  من الأشخاص المؤمنين بتلك الفكرة. والذين من الممكن جدًا أن يقضون سنوات طويلة من حياتهم يبحثون عن نصفهم الآخر المتمثل في توأم الروح.

ما هو معنى توأم الروح ؟

هناك أسطورة يونانية تشرح معنى توأم الروح. تقول الأسطورة أن البشر خلقوا قديمًا في صورة غريبة، كل انسان كانت له اربع اقدام واربع اذرع ووجهين. ثم قسم زيوس كل مخلوق الى اثنين رجل وامرأة. ومنذ ذلك الحين فكل نصف يسير في الحياة يبحث عن نصفه الاخر. تلك الأسطورة التي تفسر حالة الحب الجارف نحو شخص ما والشعور تجاهه بأنه شخص مألوف لديك وكأنك تعرفه منذ زمن رغم انكما التقيتما للتو!

أما في عالمنا الحالي يمكننا توضيح معنى توأم الروح على أنه العلاقة التي تشعر فيها بالسعادة لمجرد القرب مع ذلك الشخص. الحديث إليه والتواجد بصحبته فترات طويلة بدون ملل أو شعور بالوقت. العلاقة التي يكون بها سهولة تواصل ومساحة واسعة الراحة النفسية والسعادة على أكثر من مستوى.

هناك الكثير من العلامات التي تشير إلى أن ذلك الشخص هو توأم روحك وليس مجرد شخص تشعر تجاهه بإعجاب أو إنجذاب عاطفي. أهم العلامات هي شعورك بإستحالة تصور شخص اخر مكانه مهما كان ذلك الشخص ومهما بلغت مميزاته.

اختلاف الآراء بشأن معنى توأم الروح:

البعض يؤمن بهذه النظرية، بل في الواقع ثمة الكثيرون يؤمنون بهذه النظرية. هناك استفتاء شهير يشير إلى أن هناك 73% من الأمريكيين يؤمنون تمامًا بهذه الفكرة ويصدقون وجود توأم روح لكل إنسان. ويعتقدون أنه الشخص الوحيد المناسب لمواصلة حياتك معه.

في حين أن البعض لا يؤمن بهذه الأسطورة لكونها تبدو غير منطقية او واقعية بالمرة. بل وأن الشخص الذي يعتنق ويؤمن بفكرة توأم الروح قد يظلم نفسه، بظنه أن حبه في الحياة متوقف على شخص واحد فقط ربما تنجح علاقته به وربما تفشل. فالانسان قد يقع في الحب مرة واثنان او حتى ثلاثة حتى يجد أجمل قصة في حياته بعيدًا عن نظرية توأم الروح الحالمة البعيدة عن الواقع.

والبعض يقف في مكان وسط بين المؤمنين بفكرة توأم الروح، وبين الرافضين لها، حيث يرون انه من الممكن أن يكون للشخص أكثر من توأم روح، قد يحدث للشخص بعد إنتهاء قصته مع توأم روحه (أو مع شخص كان يظنه توأم روحه) أن يقابل توأم روح جديد، بعد مرور الوقت والتجارب والسنوات، بعد أن يصبح هو نفسه شخص جديد!
وهي وجهة نظر ربما تحمل بعض الصواب.

هل تنجح فكرة الزواج أو الإرتباط  بتوأم الروح على أرض الواقع أم تفشل؟

يحذر الكثير من علماء النفس والعلاقات العاطفية من فكرة الإيمان المطلق بـ معنى توأم الروح. فهي تختزل الحب والعلاقات العاطفية في مقولة أرسطو في حين أن الأمر أكثر تعقيدًا مما نظن.

وفقًا للعديد من المتخصصين أن هناك الكثير من التجارب التي أثبتت أن الأشخاص المؤمنين بمعنى توأم الروح ويقضون حياتهم في إنتظار نصفهم الآخر. كثيرًا ما تنتهي قصصهم بالفشل رغم أن مشاعرهم كانت صادقة بالفعل! لماذا ؟ لأكثر من سبب:

1. التوقعات الغير منطقية:

جميعنا نريد أشخاص مثاليين. ومعظم الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية توأم الروح يتخيلون نصفهم الآخر دائما في صورة مثالية. يقضون سنوات يتوقعون أن حب حياتهم هو شخص خالي تمامًا من السلبيات. والعيوب التي يكرهونها.يشبههم بشكل مطابق. لا يتوقعون أي إختلاف.

في حين أن الواقع بالتأكيد يكون مختلف عن تصوراتهم. الأحلام والتوقعات الغير منطقية عندما تصطدم بالواقع تخلق شعور كبير لدى المؤمنين بأسطورة توأم الروح بالإحباط وعدم الرضا عن العلاقة. تحت تأثير الاحلام والتوقعات المثالية أكثر من اللازم في الماضي. و التي لها دور كبير بالتأكيد في توجيه مشاعرنا وسلوكنا.

فعندما نجد الشخص ونقع في حبه ونتأكد أنه توأم الروح، نصاب بالإرتباك عند أول صدام أو خلاف يبرز فيه عيب واضح لدى هذا الشخص. ونقع تحت تأثير الصدمة، إذ أنه وفقًا لإعتقادنا المسبق عن توأم الروح، وللصورة المثالية التي رسمناها له، لم نتوقع أن يحدث هذا! توأم الروح لا يمكن أن يكون لديه هذه العيوب!
البعض قد يصل به الأمر إلى التفكير في إنهاء العلاقة إثر مواجهته لأول عيب في حبيبه / أو حبيبته ظنًا منه أن ذلك الشخص ربما لا يكون هو توأم الروح، ليس هذا ما كنت أريد!

رغم أنه من الممكن جدًا أن يكون ذلك العيب ليس عيبًا كارثيًا ويمكن معالجته، لكن التوقعات غير المنطقية من البداية تسببت في خلق حالة من المبالغة في رد الفعل وصعوبة في التأقلم. ليس لأن الأمر كبير أو لأن ذلك العيب هو عيب قاتل، ولكن تحت تأثير الشعور بالخيبة والإحباط لدى أحد الطرفين (إن لم يكن كلاهما)..

الإحباط الناتج عن التوقعات المثالية والمبالغ فيها، يقلل من قدرة الأشخاص على التعامل مع سلبيات  والمشاكل بموضوعية، الإحباط قد يدفع صاحب المشكلة إلى التراجع عن العلاقة كلها بدلًا من بذل المجهود لحلها، في حين أن الأمر كان من الممكن إصلاحه مع الوقت ببعض المجهود والنقاش الإيجابي ليس أكثر.

2. صعوبة الاعتراف بالسلبيات:

هناك دراسة تابعة لجامعة تورونتو نشرت عام 2014. قسمت الدراسة الأشخاص المرتبطين عاطفيًا أو المتزوجين إلى قسمين حسب نظرتهم للحب ولأحبائهم. القسم الأول يرى في حبيبه أنه نصفه الآخر الذي خلق من أجله في الجنه (توأم روحه).

في حين يرى القسم الثاني يرى أن العلاقة العاطفية هي رحلة طويلة الأمد. وأن حبيبه هو رفيق رحلته في كل مراحلها.
أظهرت نتائج الدراسة أن الأشخاص الذين يرون في الحب فكرة توأم الروح يواجهون صعوبات أكثر في الاعتراف بالعقبات والمشاكل والخلافات التي تواجه علاقتهم. نظرًا لأن فكرتهم عن الحب والعلاقة العاطفية كانت مثالية أكثر مما ينبغي. كل منهما يظن أنه خلق للآخر في الجنة. فكيف يمكن أن تكون هناك سلبيات في علاقتهما؟

يميل أصحاب نظرية توأم الروح إلى الإنكار. حتى بينهم وبين أنفسهم. بالتالي يصعب عليهم تصديق وجود أي فجوة أو سلبيات في العلاقة. قلما يعترفون بذلك في حال تصديقهم أن ذلك الشخص هو توأم الروح. مما يجعل قدرتهم على تجاوز أي عقبات تواجه علاقتهما وحل مشكلاتهم تكون ضعيفة لأنهم يجدون صعوبة في فكرة الإعتراف بها  من الأساس ومواجهتها. الأمر الذي يتسبب كثيرًا في خلق علاقة هشة وضعيفة للأسف.

في حين أن الأشخاص الذين يعرفون الحب على أنه رحلة وأن الحبيب هو شريك الرحلة. يدركون ببساطة أنه لا توجد رحلة بدون عقبات وأن الخلافات والمشاكل أمر طبيعي. لا يوجد رحلة بدون عقبات بطبيعة الحال وبالتالي لا يجدون صعوبة في الاعتراف بالمشاكل والخلافات والصعوبات التي تواجهم. وبالطبع قدرتهم على حل مشاكلهم والعمل على تحسين مسار علاقتهم أكبر. لذلك يتمتعون بعلاقات أفضل وأطول عمرًا.

https://www.youtube.com/watch?v=WwILbPD3Nx8

 

3. عدم الوعي بطبيعة العلاقات العاطفية:

الكثير من أصحاب نظرية توأم الروح، والمؤمنين بتلك الفلسفة للأسف كثيرًا ما يكون لديهم نظرة محدودة للحب والإرتباط العاطفي في فكرة الرومانسية، وأوقات الغزل ولحظات السعادة.. لكنهم يجهلون أن أساس العلاقات العاطفية هوالعلاقات العاطفية قوامها المجهود، النفسي والعاطفي، والذي قد يكون أحيانًا مرهق للطرفين لكنه لا بديل عنه لخلق علاقة بها مساحة كبيرة من التفاهم والوعي.

الشخص الذي ينتظر توأم روحه غالبًا ما يظن أنه سيحظى بعلاقة خالية من المشاحنات، والجدل، والصراخ والخلافات المتأججة التي يصر كل طرف فيها أنه الصواب والآخر خطأ.. لمجرد أنه سيرتبط بتوأم روحه وسيحظى بزواج وعلاقة خيالية بقية حياته، وبالتأكيد ظن خاطئ تمامًا.

 

الفهم الصحيح لشكل وطبيعة العلاقات العاطفية لا يتعارض مع بفلسفة توأم الروح ولا يلغي أهمية  وقيمة الحب والعاطفة في الزواج والإرتباط، ولكن المشكلة تحدث في حالة عدم وجود وعي وفهم كافي لدى أصحاب هذه النظرية عن طبيعة العلاقات العاطفية والزواج التي لا تخلو من الصراع والصدام ومحاولات التجاوز المستمرة.

اقرأ: 29 نصيحة قبل الزواج

 

الوعي يجعلك تتقبل فكرة أنك من الطبيعي أن تحصل على شخص له سلبيات. وأنك أنت بدورك لك سلبياتك.. وأن تكون أنت مرآته يرى فيك نواقصه وعيوبه والجانب السلبي الخفي منه. الذي توقظه لحظات الخلاف بينكما والعكس أنت ترى في توأم روحك سلبياتك وماضيك.

يتوقف نجاحكما على مساحة الوعي بينكما. العلاقة التي تعتمد على جانب العاطفة فقط للأسف علاقة عمرها قصير، يجب أن يدرك الطرفين أن العقلانية تلعب دور لا يقل أهمية عن دور العواطف والمشاعر.
من دون العاطفة لما بدأت القصة، ومن دون الوعي والعقلانية لن تستمر..

يحدث كثيرًا أن تتعقد علاقة زوجين تحت تأثير المشاكل المستمرة والخلافات حتى تصل إلى درجة الإنفصال. ثم يعودون للبدء من جديد بعد الإنفصال، فينجحون في المرة الثانية، لماذا؟
لأن الأزمات كثيرًا ما تكون أشبه بالصفعة التي تغير مناخ الحب. من مجرد علاقة عاطفية بعيدة عن الواقع إلى علاقة عاطفية واعية.

الأزمات هي أكثر الأوقات التي نكتشف فيها قيمة الوعي والعقلانية وأهميتها لإستمرار أي علاقة عاطفية.

 

بعد الإنفصال وبعد أن نهدأ من تأثير الصدام والغضب نبدأ في التفكير بقعلانية. وندرك خطأنا وفي نفس الوقت نضع خطأ من نحب في حجمه الصحيح.
والأزواج الناجحون الذين يدركون دروس الأزمات ويتعلمونها يستطيعون البدء من جديد مع نفس الشخص. ويخلقون شكل جديد من العلاقة فقط لأنهم أصبحوا أكثر وعيًا بقيمة العقلانية بجانب العاطفة. وبطبيعة العلاقات العاطفية.

 

الخلاصة:

إذا كنت مؤمن بفكرة توأم الروح، وتبحث عن نصفك الآخر وترفض فكرة الإرتباط بأي شخص آخر إلا هو. عليك ان تعلم أن المشكلة ليست في إيمانك بتلك الأسطورة في حد ذاته وإنما في الأفكار التي تترتب على ذلك الاعتقاد.  في أثرها على تفكيرك ونظرتك لعلاقاتك العاطفية وسلوكك تجاه الشخص الذي سترتبط به في المستقبل.

الإيمان بنظرية توأم الروح كثيرًا ما يتسبب في حالة من عدم الواقعية وعدم الوعي والفهم الكافي لطبيعة الحب والعلاقات العاطفية والزواج لدى الشخص الذي يؤمن بها. معظم من يؤمنون بهذه الفكرة ويصدقونها يظنون أنهم بإرتباطهم بتوأم الروح سيحصلون على زواج أو ارتباط مثالي لن يكون كغيره من العلاقات الآخرى. .بينما في الواقع لا يوجد علاقة تولد مثالية وهادئة على طول الخط مهما كانت درجة الحب بين الطرفين.

اقرأ: 10 علامات على العلاقة العاطفية الناجحة 

أي علاقة عاطفية تحتاج مساحة معقولة من التفاهم. والتفاهم في العلاقات لا يوجد من تلقاء نفسه بينما يحتاج الكثير من المجهود النفسي والعاطفي من كلا الطرفين. المساحة الوسط بين أي ثنائي تتطلب عمل عميق ومجهد أحيانًا على تغيير الذات وتقبل الآخر والتجاوزات والتأقلم والإنصات. والعمل والمجهود من أجل إستمرار العلاقة هو السبيل الوحيد لتجاوز العقبات والخلافات والصدام بسهولة. الحب وحده ليس كافيًا.

الموضوع ليس له قاعدة ثابتة لابد أن تنطبق على الجميع. لكن عليك أن تحافظ على درجة الوعي والعقلانية والمنطقية في نظرتك لقصتك العاطفية ولتوأم روحك. لأن والوعي والواقعية هو السبيل الوحيد لعلاقة متوازنة طويلة المدى.

قد تكون قصتك مع توأم روحك هي أفضل ما حدث لك في حياتك. وقد تكون أسوأ ما حدث لك. الأمر متوقف على درجة وعيك وفهمك لطبيعة العلاقات العاطفية أكثر من أي شيء.

(إذا كنت مؤمن بأسطورة توأم الروح وقابلت توأم روحك اخبرنا عن تجربتك والدروس التي تعلمتها منها بتعليق)

المصادر:

https://www.huffpost.com/entry/soulmate-definition-relationship-experts_l_5c7d6eb7e4b0a571d36ebad6

https://www.psychologytoday.com/us/blog/loving-bravely/201901/do-you-believe-in-soulmates-should-you

https://www.utoronto.ca/news/relationship-research-happiness-not-match-made-heaven

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النرجسي السيكوباتي .. نموذج حي للشيطان على الارض

حقائق مهمة عن اضطراب ثنائي القطب

تطبيقات الذكاء الاصطناعي للدعم النفسي