كيف تتغلب على الشعور بالوحدة - فيلم The lunch box

 

كيف تتغلب على الشعور بالوحدة؟؟

قبل أن نعرف كيف تتغلب على الشعور بالوحدة، ينبغي أولًا أن نفهم أكثر المزيد عن حالة الشعور بالوحدة وأهم أسبابها.

بلا شك كلنا عانينا بدرجة أو بأخكيف تتغلب على الشعور بالوحدة - فيلم The lunch boxرى من الشعور بالوحدة  بشكل أو بآخر. تلك الوخزة أو الضيق أو المرارة التي تجتاحنا أحيانًا حتى وأنت بين الناس او بصحبة أصدقائك. أن تشعر دائما بفجوة بينك وبين العالم، أو بأنك غير مرغوب فيك. الأشخاص المصابون بداء الوحدة يرغبون في التواصل مع الآخرين بصدق، لكنهم واقعين تحت تأثير حالة ذهنية سيئة تجعل من الصعب عليهم تكوين روابط حقيقية مع الآخرين من حولهم.

أسباب الشعور بالوحدة:

وفقًا لخبراء علم النفس حالة الوحدة لا تعني بالضرورة أن تكون شخصًا وحيدًا يعيش بمفرده أو لا يملك الكثير من الأصدقاء. بل هي حالة نفسية وشعور ممكن جدًا أن يراودك وأن محاط بالكثير من الأشخاص. قد يصاب الانسان بحالة الوحدة والعزلة الإجتماعية نتيجة بعض المتغيرات الظرفية أو الإجتماعية مثل حادث وفاة شخص عزيز عليه، تغيير السكن أو الهجرة، الطلاق. كما أن حالة الوحدة كثيرًا ما تكون نتيجة بعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، أو الشعور بالدونية أو فقدان الثقة بالنفس.

اقرأ أيضًا: الاكتئاب المبتسم

فيلم The lunchbox

الوحدة قد تأخذ أكثر من شكل وأكثر من حالة تمامًا كما جسدها الفيلم الهندي الشهير The lunchbox  أو "صندوق الغداء". واحد من أشهر وأنجح أفلام السنيما الهندية. بطولة النجم "عرفان خان Irrfan " و " Nimrat Kau " و "Nawazuddin Siddiqui " - إنتاج 2013. وهو فيلم درامي إنساني بالدرجة الأولى، تدور أحداثه في مدينة مومباي الهندية.

 

بطل القصة السيد "فرنانديز" الموظف الحكومي الأرمل في الخمسينات من عمره، والذي يفصله عن التقاعد المبكر شهرًا واحدًا. ويظهر في الفيلم في صورة شخص عابس متجهم معظم الوقت لا يتبادل الأحاديث ولا حتى الإبتسامة مع أي من زملائه في العمل ولا مع جيرانه، ولا مع أطفال الحي..
نكتشف مع الأحداث أنه تألم كثيرًا عندما فقد زوجته. وأصبح بعدها يكتفي بالعزلة ومراقبة الآخرين من بعيد.
وأن أكثر الأشياء التي يفضلها في المساء هو مشاهدة الحلقات التليفزيونية التي كانت زوجته تحبها وتحتفظ بها مسجلة على شرائط فيديو.

كما تحدثت القصة عن حالة الوحدة التي من الممكن أن تحدث داخل الحياة الزوجية. كما هو الحال مع بطلة الفيلم "إيلا". الزوجة الشابة والأم لطفلة صغيرة، التي تحاول فعل كل الأشياء الممكنة لإنقاذ زواجها بعد أن أصاب علاقتها بزوجها حالة واضحة من الفتور و الخرس الزوجي. أصبحت إيلا تقريبًا لا تتبادل الأحاديث كل يوم سوى من خلال نافذة المطبخ مع جارتها المسنة بالطابق العلوي. التي لم يظهر منها سوى صوتها فقط، وهي تملي على إيلا نصائح في إعداد الوصفات التي كانت تتفنن في إعدادها لترسلها لزوجها كل يوم في عمل – بواسطة أحد شركات التوصيل- أملًا في أن تستعيد إهتمامه وحبه مرة أخرى.

والوحدة الناتجة عن الحالة أو الوضع الاجتماعي. كما هو حال الموظف الشاب الجديد "شيخ" الذي سيحل محل السيد "فرنانديز" بعد تقاعده. والذي ولد يتيمًا لا يملك عائلة أو أقارب. ويسعى جاهدًا للتودد للسيد فرنانديز وكسب صداقته حتى يقوم بتدريبه على المهام الوظيفية التي سيتسلمها في غضون شهر.

كيف تعامل أبطال الفيلم مع الشعور الوحدة؟

تبدأ الأحداث عند حدوث خطأ ما من قبل شركة توصيل الوجبات التي تقوم بتسلم وجبات الغداء لكل موظف كل يوم من بيته أو من المطعم ثم يرسلونها إلى أماكن عملهم قبل ساعة الراحة.

يتسلم السيد فرنانديز وجبة تفوح منها رائحة لم يعتادها من الوجبات التي كان يتسلمها من المطعم الذي يرسل له وجباته اليومية، يفتح ليجد وجبة من الواضح أنها طبخت بعناية. تلك الوجبة هي في الواقع الوجبة التي طبختها "إيلا" لزوجها!

بالطبع أنهى السيد فرنانديز الوجبة بالكامل، وفي نهاية اليوم تكتشف إيلا الخطأ الذي حدث و أن الوجبة التي أعدتها لزوجها للأسف لم تصله وأنه أكل وجبة أخرى بالخطأ. فتكتب خطاب مقتضب وتضعه مع غداء اليوم التالي تشكر فيه الشخص الذي تناول طعامها للنهاية وتخبره أن تلك الوجبة كان من المفترض أن تكون لزوجها رغبة في إصلاح علاقتهما.

يفهم السيد فرنانديز سر الطعام الرائع الذي أصبح يتسلمه كل يوم. ليصبح ينتظر الغداء كل يوم مع الخطاب المرفق به ثم تتوالى الأحداث والوجبات مع الخطابات المتبادلة ما بين إيلا والسيد فرنانديز داخل صندوق الغداء.

كذلك تبدأ علاقة السيد فرنانديز تتطور بالتدريج مع الموظف الجديد "شيخ". والذي لم يكن فرنانديز يتقبل وجوده في البداية، وبدت فكرة التعامل اليومي معه وتدريبه وتسليمه المهام الوظيفية ثقيلة عليه. حتى علم بأن "شيخ" هو شاب يتيم بدون عائلة، فيتراجع عن معاملته بعجرفة ويبدأ في التواصل معه ليعرفه عن قرب وفي المقابل يدرك "شيخ" أنه ليس رجلًا قاسيًا أوسيئًا كما كان يسمع عنه من الزملاء حولهم بنفس الشركة.

الصداقة تساعد على تجاوز الشعور بالوحدة!

بالتدريج تنشأ علاقة تشبه صداقة المراسلة مبين إيلا و السيد فرنانديز. تحدثه بعبارات مقتضبة عن إنشغال زوجها الدائم عنها وحالة الفتور التي أصابت زواجهما. ثم عن شكوكها في وجود امرأة أخرى في حياة زوجهاز
ويحدثها السيد فرنانديز عن التدخين بشراهة في أوقات الفراغ.  عن مشاهدته للحلقات التليفزيونية التي كانت زوجته تحبها وتحتفظ بها مسجلة على شرائط الفيديو.

تنصحه إيلا بالتخفيف من التدخين. ينصحها فرنانديز بإنجاب طفل ثان، فإنجاب طفل جديد كثيرًا ما يساعد في إنقاذ الحياة الزوجية.

من ناحية أخرى تتطور علاقة فرنانديز بالمتدرب الجديد "شيخ" لتأخذ شكل ما يشبه الصداقة حتى يأتي موعد حفل مباركة زواج "شيخ" من المرأة التي أحبها، بعد أن وافق أبيها أخيرًا على زواج ابنته من شاب فقير ويتيم. يطلب "شيخ" من السيد "فرنانديز" حضور حفل الزفاف حتى يشعر أن هناك من يسانده في ذلك اليوم، ويوافق السيد فرنانديز على الفور لبتدأ حالة العزلة التي كانت تسيطر على عالم فرنانديز في التلاشي تدريجيًا بعد أن شعر أنه لازال قادرًا على تكوين الصداقات وتقديم الدعم لأصدقائه.

هل يمكننا التغلب على الشعور بالوحدة وتجاوزها ؟

بعيدًا عن قصة الفيلم، كثيرًا ما يكون التغلب على معظم الحالات النفسية السلبية سببه تغيير نظرتنا لأنفسنا. نظرتنا للواقع تتغير بشكل تلقائي عندما نتمكن من إعادة تقييمنا لذاتنا والنظر لأنفسنا بشكل واقعي وصحيح.
لو تحدثنا عن أحداث الفيلم، في رأيي تغير عالم السيد فرنانديز حينما شعر أن هناك من يشاركونه إحساس الوحدة. وحينما وجد أنه يستطيع أن يقدم لهم الدعم، سواء بالموقف أو بالنصيحة المكتوبة

وفقًا لعلماء النفس هناك الكثير من النصائح التي من شأنها مساعدة الشخص المنعزل على التعامل وتجاوز حالة الوحدة التي تسيطر على عالمه، أهمها:

  1. الإدراك:

    إدراك أن الوحدة شعور أكثر منها حالة أو وضع إجتماعي، بدليل أن أننا نشعر بها ونحن بين الناس وبصحبة أصدقائنا في كثير من الأوقات (وهو أمر مألوف ويحدث للكثير منا للأسف). ذلك الشعور عادة ما يكون نتيجة ذكريات أو تجارب غير سعيدة في الماضي والناتج عنها مشاعر سلبية في الحاضر (مثل تجارب غير ناجحة في الحب - مشاكل أسرية - الهجرة أو السفر - الفشل في العمل أو الدراسة .... ).
    إدراك السبب هو أول خطوة في محاولة التغلب على الشعور الوحدة، هو وعي الإنسان بطبيعة ذلك الشعور وأسبابه. إدراك الشخص  أن إستسلامه لتلك المشاعر السلبية لن يؤدي إلى شيء سوى زيادة حدة الشعور بالوحدة والرغبة في الإنعزال والإنسحاب الاجتماعي وبالتالي المزيد والمزيد من الوحدة.
    كلما زادت مساحة الوعي والإدراك لأفكارنا كلما زادت قدرتها على التحكم فيها.
    الفشل، الهجر، الذكريات الأسرية الغير سعيدة. كلها أشياء من الطبيعي أن تحدث لأي شخص خلال حياته. والعبرة في تعلم الدروس من كل تجربة وتجاوز المشاعر المؤلمة لمواصلة الحياة.

  2. تجنب تضخيم الأفكار السلبية:

    قد يكون للشخص الذي تسيطر عليه فكرة الوحدة أصدقاء مخلصين، أو معجبين أو أشخاص يحبونهم بصدق. لكنهم لا يلحظون ذلك لأن فكرة الوحدة وكل المشاعر السلبية التي تصاحبها تسيطر على أفكارهم، وتشغل حيزًا أكبر من تفكيرهم. أصحاب الوحدة يميلون أكثر لتصديق فكرة أن العالم سيء، ولا يوجد به ما يستحق الحياة.

  3. صداقة أشخاص يشبهونك:

    ذكر نفسك أن في الحياة هناك من يشاركونك نفس الميول والإهتمامات. إن كنت تشعر أن في عالمك أو محيط حياتك ليس لديك أصدقاء يشبهونك بدرجة كبيرة، اعلم أنك محظوظ لأنك تعيش عصر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من فكرة التعارف على الأشخاص الذي لديهم نفس الهوايات أو الميول أمرًا سهلًا. وهو بالتأكيد أول خطوة في تكوين صداقات جديدة مع أصحاب شخصيات تشبه شخصيتك. سيسهل ذلك عليك التعبير عما بداخلك، البوح بمشاعرك لأشخاص أنت تدرك أنهم سيتفهمونك بسهولة لأنهم يشبهونك. الأمر الذي بالتأكيد يساعد على تخفيف تلك الفجوة الموجودة بينك وبين العالم والمحيطين.

 

  1. اشغل نفسك بالآخرين:

    اهتم بالآخرين تحصل على إهتمامهم بك في المقابل. بالتأكيد هناك من لا يقدرون مشاعر اللطف والإهتمام، لكن بشكل عام حين تتمكن من أن تصبح بمرور الوقت شخص يجيد التعامل بلطف ومحبة مع الآخر هو بالتأكيد أمر جيد، ليس فقط لأنك في الغالب ستحصل على نفس المشاعر منهم في المقابل، لكنك ستدرك أنك لازلت شخصًا قادرًا على العطاء وعلى دعم الآخرين.
    إهتمامك بالآخرين وتقديم الدعم لهم في مشاكلهم، سيجعلهم في المقابل أشخاص داعمين لك. كما أنه سيغير من نظرتك لنفسك بالتأكيد مادمت شخصًا قادر على دعم الآخرين. سيأخذ تفكيرك بعيدًا عن التركيز على سلبيات حياتك، والرغبة في الاستسلام لحياة الوحدة والتخلي عن مواصلة الحياة.

 

نهاية الخطابات المتبادلة بين فرنانديز وإيلا:

يقترح فرنانديز على إيلا أن يتقابلا، وترحب وتقترح عليه المكان. لكنه يتراجع عن مقابلتها في اللحظة الأخيرة. حين رآها في المطعم وتعرف عليها وأدرك أنها هي صاحبة الخطابات والوجبات الرائعة. ليدرك أنها شابة صغيرة في مقتبل حياتها، بينما هو رجل اقترب من سن الشيخوخة، ويشعر أنه من الأفضل أن يظل بعيدًا عن عالمها، حتى لا يفسد لها حياتها وتتحول قصتهما إلى قصة رومانسية غير واضحة المعالم. فضل السيد فرنانديز أن يدعمها بخطاباته.

تقرر إيلا في نهاية الفيلم أن تواجه زوجها برفضها لحالة الزواج الفاتر التي استسلمت لها كثيرًا، وتغادر المنزل بصحبة إبنتها لتواجه حياة جديدة إما بتصحيح مسار زواجها أو إنهائه.

في حين يتحول فرنانديز في نهاي الفيلم من شخص عابس متجهم منعزل عن العالم إلى إنسان يواصل حياته بإبتسامة. يتبادل الأحاديث مع الغرباء، يبتسم لأطفال الحي ويسمح لهم باللعب امام بيته، ويواصل رحلة مجهولة داخل قطار مزدحم.

 

اقرأ أيضًا: 10 علامات على العلاقة العاطفية الناجحة

الخلاصة:


الكثير منا يمر بتجارب قاسية وصدمات حياتية مثل الفقد، الإنفصال، الفشل الدراسي أو العملي. الظن بأن تجارب تؤدي إلى حالة نفسية سلبية تزيد الفجوة بين الشخص والعالم الخارجي. حيث يشعرون فيها بمساحة أكبر من الراحة لانهم لا يرتاحون لفكرة مشاركة الآخرين ألامهم. أو لأنهم يظنون أنهم غير مرحب بهم من الآخرين نتيجة عوامل نفسية أخرى مثل الاكتئاب أو تدني الثقة بالنفس.

لكن في النهاية إدراكنا أن الوحدة شعور ناتج عن حالة نفسية سلبية أكثر منها حالة أو وضع إجتماعي هو أول خطوة لتجاوزها.

المصادر:

https://psychcentral.com/blog/10-more-ideas-to-help-with-loneliness/?fbclid=IwAR0qgMDJaxgkJxfnVWy61Fj2ccIKWOPjWkvIGTG9bItfRKODspZNOJDI22Y

https://www.verywellmind.com/loneliness-causes-effects-and-treatments-2795749#:~:text=Causes%20of%20Loneliness&text=Loneliness%20can%20also%20be%20attributed,to%20isolation%20and%20chronic%20loneliness.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النرجسي السيكوباتي .. نموذج حي للشيطان على الارض

حقائق مهمة عن اضطراب ثنائي القطب

تطبيقات الذكاء الاصطناعي للدعم النفسي