تأثير السوشيال ميديا على العلاقات العاطفية والزواج

 

بقلم: سالي حجازي

تأثير السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي على مختلف جوانب حياتنا أصبح واضحًا وملموسًا بدرجة كبيرة. قد يكون لهذه المواقع أثر إيجابي على بعض تفاصيل حياتنا، لكنها للأسف من ناحية أخرى يمكن أن يكون لها العديد من الآثار السلبية بالتحديد على الجانب العاطفي وعلى علاقاتنا العاطفية والرومانسية بشركاء حياتنا.

لذلك فالحرص على استخدامها بشكل متوازن قدر الامكان حتى نحقق منها أقصى استفادة ممكنة. ونتجنب أثارها السلبية بالتحديد على حياتنا العاطفية والزوجية.


تأثير السوشيال ميديا السلبي على العلاقات الزوجية وحياتنا العاطفية:

أثرت العديد من قصص الحب والقصص الرومانسية للثنائيات والأزواج الذين يحظون بشهرة واسعة في عالم السوشيال ميديا على تفكير الكثير الشخصيات التي تتابعها وتتأثر بها. بالتحديد الشخصيات الذين يجهلون أنهم حينما يتابعون تفاصيل حياة أي ثنائي من مشاهير السوشيال ميديا، فهم لا يرون سوى نصف الحقيقة. الجميع على السوشيال ميديا يظهر فقط الجوانب الايجابية،الاوقات الضاحكة، واللحظات الرومانسية الهادئة. وبالتالي يمنح ذلك الكثير ممن يجهلون طبيعة الأمور وشكلها على أرض الواقع، انطباعًا زائفًا بأن ذلك الثنائي يحظى بعلاقة زوجية مثالية أو شبه مثالية.

في حين أننا لم نرى الجوانب الخفية من حياة هؤلاء المشاهير أو الشخصيات التي تتعمد مشاركة لحظاتها وتفاصيلها الرومانسية على مواقع التواصل. لم نتابع عن قرب اوقات خلافاتهم ولحظات التوتر والنقاش والجدال وطريقة هذا الثنائي إنهاء مشكلاتهم وحلها.

وللأسف من الممكن جدًا أن يترك ذلك اثرًا سلبيا على الحياة العاطفية للكثير من المتابعين المهتمين بمتابعة هذه القصص عن قرب.

كيف تؤثر مواقع التواصل بشكل سلبي على العلاقات العاطفية؟

1. توقعات غير واقعية:

كما ذكرنا أن معظم ما نراه على مواقع التواصل هي صور محسنة وغير واقعية، ولا تعكس الحقيقة كاملة بل جانبًا واحدًا منها. الأمر الذي قد يتسبب لمن يتابعها باستمرار ويتأثر بها في خلق معايير وتوقعات غير واقعية لديه عن العلاقات العاطفية. وبالتالي كثيرًا ما ينتج عن هذه التوقعات المبالغ فيها جرعة كبيرة من مشاعر الاحباط لمن يتأثرون بمثل هذه الأمور ويتوقعونها من شركاء حياتهم ويسعون لتحقيقها في حياتهم العاطفية أو الزوجية. كما أن التوقعات والمعايير الغير واقعية في العلاقات تزيد من مشاعر عدم الرضا والاستياء من شركاء حياتنا لأنهم لم يحققوا لنا نفس نمط الحياة الذي نراه أو نتابعه من تصفح مواقع التواصل. والذي هو في حقيقته أسلوب حياة محسن وغير واقعي، إن لم يكن زائف تمامًا. وبالطبع التوقعات المثالية المبالغ فيها والغير واقعية من أكتر المفاهيم المؤذية التي تتسبب في توتر وانهيار الكثير من العلاقات.

2. إثارة مشاعر الغيرة بين الزوجين أو الحبيبين:

تشير بعض الأبحاث إلى أن هناك علاقة قوية بين التصفح المفرط للسوشيال ميديا وزيادة مشاعر الغيرة لدى أحد الزوجين.

حيث تختلف نظرة كل شخص منا للأمور من حوله باختلاف نظرته للعلاقات وللارتباط ونظرته لنفسه. فكل منا لديه ما يسمى بـ (نمط التعلق) أي أسلوب أو طريقة في الحب والارتباط. البعض لديه ما يسمى بـ "نمط تعلق غير آمن" بمعنى أن سلوكه في العلاقات العاطفية وأفكاره يغلب عليها فكرة القلق والخوف من الهجر أكثر من الثقة والاطمئنان. وللأسف الأشخاص أصحاب "نمط التعلق الغير آمن" هم أكثر الشخصيات عرضة للتأثير السلبي من السوشيال ميديا في علاقاتهم العاطفية أو الزوجية. التصفح الكثير لمواقع التواصل تعتبر من أهم الاسباب التي تستثير لدى هذه الشخصيات مشاعر الغيرة المبالغ فيها على الطرف الثاني. فمتابعتهم اليومية لنشاطه وتواصله مع الاخرين، وتعليقاته وتعليقات اصدقاءه بشكل منتظم كثيرًا ما يفتح مجال لديهم للشكوك والظنون السلبية في حقه أو في حق أحد المحيطين به في عمله أو في المحيط العائلي أو اصدقائه.
كما أنها من الممكن أن تخلق رغبة لدى الطرف القلق في تتبع ومعرفة المزيد والزيد عن شريك حياته أو الطرف الآخر.

وربما البحث في صفحته، أو رسائله. فبالتالي تتحول هذه المواقع بالنسبة لبعض الأشخاص إلى وسيلة تتبع أو مراقبة أكثر منها وسيلة للتواصل.

(وهو أمر شائع الحدوث وفقًا لأكثر من دراسة بالتحديد لدى الأزواج في الفئة العمرية أقل من 30 عام).

اقرأ أيضا: أنماط التعلق في علم النفس، وأثرها على حياتك العاطفية

3. زيادة الخلافات:

في دراسة اجريت عام 2013 على الازواج الذين لم يدم ارتباطهم أكثر من ثلاث سنوات، أظهرت نتائجها  أن السمة المشتركة بينهم كانت قضاء وقت طويل على الفيس بوك. وكذلك اشارت دراسات أخرى إلى أن هناك صلة وثيقة بين الاستخدام المفرط لمواقع التواصل والكثير من المشاركات عليها وبين مشاعر عدم الرضا عن الحياة العاطفية أو الطرف الآخر. وعلى الأرجح يعود ذلك للأسباب التي ذكرناها سابقًا، ربما التوقعات الغير واقعية عن الزواج والحياة العاطفية. وكذلك استثارة مشاعر الغيرة وتتبع شريك الحياة أو الطرف الآخر أكثر من اللازم.

4. عدم الرضا عن الحياة العادية:

عززت السوشيال ميديا مفهوم خاطئ عن مدى عمق العلاقة الزوجية. عن الاستقرار، والمودة، والمتعة، والسعادة واختصرتهم فقط في الصور التي تعكس لحظات العشاء الفاخر أو السفر وقضاء الأجازات على البحر. في حين أن مفهوم السعادة الزوجية والاستقرار العاطفي الحقيقي هو أوسع وأعمق من ذلك بكثير. الاستقرار والسعادة الزوجية الحقيقية تظهر بشكل حقيقي في الحياة العادية أكثر من لحظات الرفاهية. في درجة التفاهم والمودة بين الزوجين، في تعاونهما في المسئوليات المشتركة، في العمل والمهام المنزلية وتربية الأبناء. في طريقة تسوية الخلافات والتأقلم مع الظروف المادية وتقبلها.

هناك فرق كبير بين السعادة المؤقتة، والسعادة الحقيقية التي هي نتاج الشعور بالرضا عن حياتنا. العشاء الفاخر أو السفر لأجازة سيجعلك سعيدًا وقتها بالطبع، لكن تفاصيل الحياة اليومية، وأوقاتكما العادية هي المقياس الحقيقي للسعادة في الحياة العاطفية.

5. التشتيت والانصراف عن التواصل مع شريك حياتك:

إدمان الانترنت ومواقع التواصل تم تصنيفها من قبل الدليل التشخيصي للاضطرابات العقلية (DSM-V) على أنهم احد الاضطرابات النفسية التي تتسبب في التاثير على حياة المصاب وقيامه بمهامه الحياتية. فمواقع التواصل الاجتماعي تحفز بشكل قوي إفراز جرعات كبيرة من هرمونات السعادة بالمخ. فهي ترفع مستويات هرمونات الأكوسيتوسين والدوبامين تحت تأثير التواصل المستمر مع كم كبير من البشر من خلال مجرد شاشة، بما يفسر السبب الاساسي وراء إدمان الكثير منا لهذه المواقع.

وللأسف كلما أصبحنا مدمنين لهذه الجرعة العالية من مشاعر التحفيز والايجابية والسعادة يقل لدينا الرغبة والحماس تجاه الحياة الهادئة العادية. في حين أن مواقع السوشيال ميديا لا يمكن أن تكون بديلًا للتواصل والتفاعل الحقيقي مع شريك حياتك. لذلك من المهم أن نحرص على ألا تتحول مواقع التواصل لجدار يصرف انتباهنا و يعزلنا عن شركاء حياتنا.

6. الأثر السلبي على الصحة النفسية:

أكدت العديد من الدراسات على وجود علاقة قوية بين الاستخدام المفرط لمواقع السوشيال ميديا والاصابة باضطرابات الحالة المزاجية، ومشاعر الوحدة والتقييم المتدني للذات (بالأخص لدى الأشخاص الذين يعانون بالفعل من بعض المشاكل النفسية).
كما اظهرت بعض النتائج أن التقليل من استخدام مواقع التواصل يساعد على التخلص من مشاعر الوحدة والقلق والاكتئاب. وكل هذه الاضطرابات الفردية بالطبع تؤثر على شكل العلاقات العاطفية لأصحابها. فحينما يعاني أحد الطرفين من مشكلة نفسية ما بالتأكيد يؤثر ذلك في سلوكه تجاه الطرف الآخر بشكل واضح.

7. تأثير سلبي على صورة الجسد  Body Image :

هناك العديد من الدراسات ربطت بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة والاضطرابات المتعلقة بتصورنا ونظرتنا لأجسادنا (الـ Body Image). وتظهر هذه المشكلة بشكل أوضح لدى النساء، بالتحديد الشخصيات التي تعاني من الافتقاد للأمان الداخلي وضعف الثقة بالنفس و تقدير الذات. ثمة تأثير نفسي بالغ الضرر يحدث لهذه الشخصيات تحت تأثير متابعة كم هائل من الصور المحسنة والمفلترة كل يوم. وللأسف مشاكل النظرة السلبية للجسد لدى المرأة يؤثر بشكل مباشر على العلاقة الحميمة في الزواج. فهناك دراسة تابعة للجمعية الدولية للطب الجنسي كشفت أن النساء اللاتي لديهن مشاكل في صورة الجسد يجدن صعوبة أكبر في الشعور بالاثارة الجنسية. وبالطبع ينعكس ذلك على شكل العلاقة الجسدية بالزوج وزواجهما بشكل عام.

8. تعزيز السلوك النرجسي:

من الممكن أن تكون نرجسيًا، لكنك لست مصاب باضطراب الشخصية النرجسية. الكثير منا لديه بعد نرجسي في شخصيته دون  أن يتطور الامر ليصبح اضطراب شخصية يؤثر على حياته وشكل علاقات بالمحيطين بشكل سلبي.
للأسف ثمة أبحاث أظهرت أن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي يتسبب في تطوير جوانب مختلفة من السلوك النرجسي لدى الشخصيات ذوي الميول النرجسية. الذين يظهر في سلوكهم حب الاستعراض والحرص على جذب الانتباه والسعي الدائم للحصول على إعجاب الاخرين بنشر التغريدات والصور.
ربما نتشارك جميعًا في حب التواصل والحصول على إعجاب الأصدقاء والمحيطين بنا. لكن حين يتطور الأمر ليصبح إدمان ينشغل به الشخص عن المحيطين به لكونه في عالم السوشيال ميديا يشعر بأنه محور الاهتمام الوحيد. من الوارد جدا أن يتسبب ذلك الادمان في زيادة الميول النرجسية لدى هذه الشخصيات. وتطور الحالة مع الوقت لتصبح اضطراب شخصية نرجسية. وبالطبع سيؤثر ذلك بشكل سلبي على علاقاته العاطفية، وشكل تعامله مع شريك / شريكة حياته.

اقرأ أيضًا: الشخصية النرجسية .. أنواعها وأهم صفاتها وكيف نتعامل معها

هل هناك أي تأثير إيجابي لمواقع التواصل على علاقاتنا العاطفية؟

بالطبع كل أمر مستجد أصبح من ضروريات حياتنا من الممكن أن يحمل جانب سلبي وجانب إيجابي.  فالأثر السلبي لمواقع التواصل بالتحديد على علاقاتنا العاطفية والاجتماعية مرتبط بالاستخدام المفرط وإدمانها بشكل يومي. في حين أن استخدامها بشكل معتدل وطريقة مناسبة يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على حياتنا العاطفية، مثال:

1. التعارف، ومقابلة شخصيات جديدة:

مواقع السوشيال ميديا أصبحت اليوم تلعب دور العائلة والأصدقاء في مساعدة العزاب على التعارف، وعلى مقابلة شخصيات قد تكون مناسبة للارتباط العاطفي. فاليوم أصبح من المألوف جدًا أن يكون أول تعارف بينك وبين شريك حياتك قد تم عن طريق الانترنت أو من خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعي.

2. البقاء على تواصل مع شريك حياتك:

حينما نتمكن من استخدام مواقع السوشيال ميديا بشكل معتدل، نستطيع حينها التواصل بايجابية -بدون افراط أو ضغوط- مع شركاء حياتنا. الأمر يكون له تأثير بالغ الإيجابية بالتحديد لدى الأزواج الذين يقضون في عملهم فترات طويلة خارج المنزل، أو في حالة العلاقات بعيدة المدى أو في حالة سفر أحد الطرفين لظروف العمل أو الدراسة. في هذه الحالة يمكننا الحفاظ على التواصل المستمر بشركاء حياتنا بالرسائل ومشاركة مقاطع الفيديو والصور الكوميدية. الشيء الذي يحافظ بدرجة كبيرة على مساحة التقارب والرومانسية بين الزوجين.

3. متابعة المتخصصين في العلاقات:

بالرغم ن السلبيات التي تترتب على إدمان مواقع التواصل، إلا أنها تعتبر من أهم مصادر المعلومات بالتحديد في المواضيع المتعلقة بالزواج والعلاقات. متابعة صفحات وحسابات المتخصصين في علم النفس والعلاقات بالتأكيد يساعد على تحسين علاقتك بشريك حياتك والتواصل والتعامل مع مشاكلكما بطريقة أفضل.

4. استعادة الذكريات الرومانسية:

كما أن مواقع التواصل بدأت تلعب دور الأسرة والأصدقاء في مساعدتنا على التعارف ومقابلة شخصيات جديدة للارتباط. فهي حلت أيضًا محل ألبومات الصور المطبوعة. والكثير من مواقع التواصل تذكرنا بالأشياء التي فعلناها في نفس التوقيت في السنوات السابقة، بالأنشطة التي فعلناها سويًا مع شركاء حياتنا وأطفالنا، بذكرى الزواج والخطوبة أو التعارف.

ويمكن أن نستخدم هذه الميزة في استعادة كل الذكريات واللحظات الجميلة وتذكير من نحب بها. استعادة الذكريات والمناسبات والأوقات الرومانسية من أكثر الطرق التي تساعد على تخفيف حدة التوتر، واجتياز المشاكل اليومية بين الزوجين بسهولة ومرونة.

اقرأ أيضًا: حل المشاكل الزوجية باستعادة الذكريات

نصائح للاستخدام المعتدل لمواقع التواصل:

  • إيقاف الإشعارات الخاصة بأي موقع تواصل، الكثير من الاشعارات يتسبب في تشتيت انتباهك وانخفاض التركيز. وبالتالي يؤثر ذلك على أدائك في مهامك الحياتية. ايقاف الاشعارات يساعدك على التركيز على الحاضر والحفاظ على تركيزك وطاقتك.
  • خصص وقت محدد للسوشيال ميديا، مثلا كل بضع ساعات خصص من 15 لـ 20 دقيقة لمتابعة مواقع التواصل، للتصفح، للرد على الرسائل، للتعليق على مواضيع تهمك أو تهم أصدقائك. تخصيص الوقت يساعدك في التحكم في رغبتك المستمرة لفحص هاتفك طوال الوقت، والتخلص من الإدمان على مواقع التواصل.
  • استبدل التصفح المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي بقضاء وقت حقيقي مع أسرتك أوشريك حياتك. التزم بالتوقيت الذي حددته للسوشيال ميديا. واحتفظ بباقي الوقت المتاح لديك للتحدث أو لقضاء وقت ممتع  أو القيام بنشاط مسلي مع شريك حياتك أو مع أسرتك. ستحقق بذلك أقصى استفادة ممكنة من مواقع السوشيال ميديا وكذلك ستتجنب آثارها السلبية على حياتك وعلاقتك بمن تحب.

الخلاصة:

كل شيء له جانب إيجابي وجانب سلبي، الأمر يعتمد بشكل أساسي على طريقة استخدامك له. من المهم جدا أن يكون لدينا درجة كافية من الوعي الذاتي، مراقبة تأثير السوشيال ميديا على تفكيرنا وسلوكياتنا اليومية سيتربت عليه توقيت وطريقة استخدامنا لها. إذا كنت تشعر تحت تأثير هذه المواقع بمشاعر سلبية تجاه علاقتك بشريك حياتك. أو تجاه نفسك أو شكلك أو جسدك فاعلم انك تحتاج لتجنبها والتحكم في وقت استخدامها قدر الامكان.

وتذكر أن ليس كل ما تراه حقيقي، وأنك ترى على هذه المواقع فقط جزء من الحقيقة، إن لم يكن كل ما تراه بعيد تمامًا عن اي حقيقة.

 

المصدر:

https://www.mindbodygreen.com/articles/social-media-and-relationships

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النرجسي السيكوباتي .. نموذج حي للشيطان على الارض

حقائق مهمة عن اضطراب ثنائي القطب

تطبيقات الذكاء الاصطناعي للدعم النفسي