التلاعب العقلي - الـ Gaslighting - وأشهر أساليبه وعلاماته

 

التلاعب العقلي هو شكل من اشكال الخداع النفسي الذي يحدث في العلاقات السامة أو المؤذية. حيث يقوم الشخص المتلاعب بتضليل الطرف الاخر وتشكيكه في افكاره ومعتقداته وتصوراته وذكرياته وإدراكه للواقع. ليتسبب في إرباكه وفقدان اليقين لديه وزعزعة ثقته بنفسه واستقراره العاطفي والعقلي بحيث يجعله ذلك اكثر اعتمادا عليه.

يحدث التلاعب العقلي بشكل اساسي في العلاقات الرومانسية، لكن من الشائع ايضًا ان تجد حب السيطرة في الصداقات او حتي العلاقات العائلية. من المرجح ان تجد الاشخاص الذين يمارسون هذا النوع من التلاعب غالبا ما يعانون من اضطرابات عقلية. فهم يستخدمون هذا النوع من الإساءة العاطفية للتلاعب وفرض سيطرتهم على الاصدقاء او افراد الاسرة او حتي زملاء العمل.


من أين أتي مصطلح " gaslighting "  كوصف للتلاعب العقلي ؟

هو مصطلح مأخوذ عن مسرحية للكاتب المسرحي والممثل البريطاني باتريك هاميلتون عام ١٩٣٨. والمعروفة في امريكا باسم " انجل ستريت " او "شارع الملاك " والتي ايضا تطورت الي فيلم بواسطة ألفريد هيتشكوك .

في ذلك الفيلم التشويقي يحاول الزوج التلاعب بزوجته عن طريق تغيير طفيف في بيئتها ليجعلها تشك في قواها العقلية. حيث يقوم بتقليل اللهب في مصباح الغاز ببطء وثبات ويوهمها بأن اللهب لم يتغير. وبذلك يجعلها تعتقد بأنها مجنونة ويسيطر عليها ويقوم بقطع علاقاتها مع الاهل والاصدقاء. وبالتالي تبدأ الزوجة بالشك في نفسها ومشاعرها وذكرياتها. الي جانب انها تشعر بالعصبية، والحساسية المفرطة. وعدم السيطرة علي نفسها. وهذا هو الهدف من التلاعب العقلي؛ ترك الشخص المستهدف تائه وبدون ثقة لما يدور حوله هل هو حقيقي ام غير ذلك.

ولان ذلك الفيلم كان تصويرا دقيقا لما يحدث من تلاعب نفسي وافعال سامة لسيطرة المتلاعبين علي ضحاياهم. بدأ علماء النفس في استخدام هذا المصطلح "gas lighting " كتصنيف ووصف هذا النوع من الاساءة العاطفية.

 

كيف يحدث التلاعب العقلي - Gaslighting ؟

يعتمد التلاعب العقلي على زعزعة تصورك للواقع، فعندما يقوم شخص بمحاولة خداعك أو بأن يجعلك تشك في نفسك. أو في ذكرياتك أو في الأحداث الماضية أو الجارية، أو في كل معتقداتك بشكل عام. وعند محاولتك للنقاش أو لمواجهة الشخص المتلاعب فإنه يحاول ترسيخ بداخلك فكرة انك المسئول عن حدث معين او انك اصبحت شديد الحساسية. أو أنك تتوهم أشياء لم تحدث. الشخص المتلاعب يدفعك الي الشك في عقلك، وفي أحكامك ورؤيتك للأمور، وذاكرتك، وفي تقديرك لذاتك، وفي صحتك العقلية بشكل عام. فهم التكنيك الذي يستخدمه الشخص المتلاعب ضدك بالتأكيد سوف يساعدك كثيرا، فعلى سبيل المثال ستجده يتبع معك الكثير من هذه الحيل:

يكذب عليك:

غالبا يعد الاشخاص المتلاعبون مرضي بالكذب وتظهر لديهم ميولا نرجسية واضحة. فهم يكذبون بشكل مستمر ولا يتراجعون ابدا عن الكذب او يغيروا قصصهم. حتي عندما تثبت خداعهم بالأدلة، فإنهم قد يبرروا ذلك ويقولوا " انت تفتعل اشياء " او " ذلك لم يحدث ابدا " او " انت مجنون ".

يشوه سمعتك:

يبدأ الشخص المتلاعب بث الشائعات والنميمة عنك للأخرين. بالرغم من أنه يتظاهر دائمًا بالقلق عليك والاهتمام بأمرك. لكنه في حقيقة الأمر يسعي جاهدا لتشويهك أمام الآخرين وإثبات انك شخص سيء أو أنك غير مستقر نفسيا او حتي مجنون. لسوء الحظ فإن ذلك الأسلوب يساعد المتلاعب في كسب تعاطف الاخرين دون معرفتهم بالحقيقة كاملة. بالإضافة إلي ان الشخص المتلاعب يرسخ لديك فكرة ان الناس تعتقد  بأنك شخص سيء أو غير مستقر عاطفيا. وأنهم لن يصدقوك وكذلك لن يفصحوا لك بذلك.. بالتالي يترسخ في عقلك انه هو الملجأ الوحيد أمامك وأنه الشخص الوحيد المخلص لك.

يشتت انتباهك:

فعندما تسأل الشخص المتلاعب عن شيء ما، فإنه يقوم بتغيير الموضوع او يطرح سؤالا اخر بدلا من الرد علي السؤال الاصلي. فإن ذلك لا يشتت فقط تفكيرك ولكنه ايضا يدفعك الي التشكك في أن ذلك الأمر أو تلك المشكلة هي مسألة مهمة تستدعي المناقشة لأن رد فعله أوحى لك وكأنه لا يشعر بالحاجة إلى الرد على سؤالك.

يقلل من شأن افكارك ومشاعرك:

إن الاستهانة بافكارك ومشاعرك تجعل للشخص المتلاعب يسعى للسيطرة عليك بعبارات مختلفة مثل " اهدأ " او " انت تبالغ في رد الفعل " او " لماذا انت حساس جدا هكذا ؟".  فكل هذه العبارات تساعده على التقليل من أهمية افكارك ومشاعرك وتجعلك تشعر بأنك الطرف المخطئ أو انك الشخص الذي يبالغ في مشاعره.

يلقي باللوم عليك باستمرار:

إلقاء اللوم هي حيلة شائعة يتبعها المتلاعبون. حيث يقوم الشخص المتلاعب بتحويل اي نقاش أو موقف انت صاحب الحق فيه ليصبح ضدك ويحملك مسؤولية ما حدث. حتي عند مناقشة سلوك المتلاعب المسيء ضدك و توضيح ما تشعر به نتيجة ذلك، فسوف يقوم بقلب المحادثة لصالحه حتي تنتهي باتهامك انك السبب الرئيسي في ذلك سلوكه المسيء. علي سبيل المثال سوف يقنعك بأنك اذا كنت تصرفت في الموقف بشكل مختلف، فإن ردة الفعل قد كانت تختلف.

احذروا الـ ريد فلاج Red flag .. أخطر 10 علامات سلبية في الحب

ينكر الاخطاء:

يقوم الاشخاص المتلاعبون بإنكار أفعالهم الخاطئة تجاه الطرف الاخر حتي يتجنبوا تحمل مسئولية  هذه التصرفات. هذا الإنكار يحولك على المدى الطويل إلى شخص غير مرئي أو مسموع وليس له أي حقوق أو أهمية. هذه الحيلة للأسف تجعل من الصعب علي ضحايا الشخصيات المتلاعبة التجاوز والتعافي من الاساءة أو التنمر أو الأذى الذي تعرضوا له من ذلك الشخص.

يستخدم الكلمات العاطفية كسلاح:

في بعض الاحيان عندما يتم استدعاء الشخص او مناقشته، فإنه يقوم باستخدام كلمات لطيفة ومحبوبة لمحاولة تهدئة الموقف. حيث يقول عبارات مثل: "انت تعرف كم احبك" "لن اؤذيك ابدا عن قصد" "لماذا تظن بي السوء دائما".

أحيانا تكون النية جيدة خلف هذه العبارات حينما يكون الشخص لا يقصد إهانتك أو الاساءة لك ومخلص في مشاعره تجاهك.  وكثيرا ما تكون هذه العبارات هي ما تريد سماعه، وتساعد جدا في تهدئة الموقف.
لكنها تعتبر سامة حينما تعقب دائما سلوكيات مؤذية أو مسيئة تكررت أكثر من مرة، ولم تحدث بشكل عفوي. هذه العبارات للأسف تنجح في إحداث تأثير عند سماعها. وكثيرًا ما تكون كافية لإنهاء النقاش مما يسمح للشخص المسيء بالهروب من تحمل مسؤولية او عواقب سلوكه المسيء.

يعيد سرد القصص بطريقته:

يقوم الشخص المتلاعب بتحريف القصص وسرد الموضوع بطريقة تخدم مصالحه الشخصية. علي سبيل المثال اذا دفعك الشخص المؤذي في الحائط وتناقشت معه في الامر وواجهته بما فعله فيما بعد. سوف يحرف الاحداث ويحاول اقناعك انك اعترضت طريقه وهو فقط ابعادك لكنك تعثرت مما تسبب لك في سقوطك علي الحائط. ويظل مصر على أن هذا ما حدث – وربما يقسم بذلك- مما قد يدفعك للتشكك في ذاكرتك ويجعلك ترتبك وتفقد صواب عقلك وهذا بالضبط ما يريده المتلاعب.

علامات أنك تتعرض للتلاعب العقلي – Gaslighting   :

إن التعرض للتلاعب النفسي فترات طويلة قد يسبب القلق او الاكتئاب او اضطراب ما بعد الصدمة أو اعتلالات اخرى تخص الصحة النفسية بما في ذلك الإدمان وميول للانتحار. لذلك فإنه من المهم إدراكك بأنك تتعرض لهذا النوع من الإساءة النفسية، ولكي تتعرف هل بالفعل نفسك أي من هذه العبارات صحيحة:

  • تشك في مشاعرك ورأيك وتصرفاتك: تعجزعن تقييم واقعك بشكل مجمل، تشعر دائما انه يوجد خطأ فيك او انك بالفعل لست جيدا من ناحية السلامة العقلية نتيجة سماعك لذلك الكلام بشكل متكرر من الطرف الاخر.
  • لا تثق في ذاكرتك أو معتقداتك: حيث تتساءل كثيرا اذا ما كان الذي تتذكره صحيحا ام خطأ، تخشى دائما من أنك ربما لا تتذكر الاحداث بدقة. لدرجة قد تجعلك تتردد عند مشاركة الاخرين للأحداث الماضية خشية ان تكون لا تتذكر ما حدث جيدًا.
  • تشعر بعدم الأمان: اذا كنت تشعر في تعاملك معه وكأنك " تمشي علي قشور البيض ". وتحذر من اي شيء يخص التعاملات مع الاخرين زملاء عمل، أصدقاء، او حتي شخص في العائلة، او انك تشعر بالضيق وعدم الثقة بالنفس نتيجة انتقاداته المستمرة لك.
  • تشعر بالوحدة والضعف والعزلة: وذلك نتيجة نجاح الشخص المتلاعب باقناعك بأن من حولك يرونك بطريقة سلبية ويظنون انك شخص غريب أو سيء أو غير مستقر او حتى مجنون. مما يجعلك تشعر بأنك ضعيف ومعزول عن الاخرين.
  • ترى نفسك بطريقته: لأن الشخص المتلاعب يحاول دائمًا اقناعك بأنك مخطئ، وغير ذكي، غير يقظ، ومجنون. ومع الوقت تجد نفسك بلا وعي تردد ايضا تلك العبارات عن نفسك وتبدأ في تصديقها .
  • تصارع لاتخاذ القرارات لأنك لا تثق بنفسك: تجنب اتخاذ القرارات و تفضل ان تسمح لشريكك او لصديقك باتخاذ القرارات نيابة عنك .

لماذا يمارس بعض الاشخاص التلاعب النفسي علي اشخاص اخرين ؟

إن هدفه الاساسي ليس فقط التلاعب ولكن ايضا لفرض السيطرة علي الاخرين حيث يقوم المتلاعب بتضليل وإيهام الضحية انه متعاون معها . حيث يعد هذا النوع من السلوك جذورا لبعض الاضطرابات النفسية مثل السيكوباتية او اضرابات الشخصية مثل الشخصية الحدية والنرجسية والمعادية للمجتمع .

علامات العلاقة السامة، أشهر أعراضها وسلبياتها

ماذا تفعل اذا تعرضت للتلاعب ؟

إذا كنت تعاني من التلاعب في علاقة معينة فعليك باتخاذ قرارات لحماية نفسك منها:

  • اكتسب بعض المسافة: قد يكون من الافضل التراجع عن بعض المشاعر التي يثيرها التلاعب، حيث يمكنك ترك الموقف ظاهريا واستخدام بعض تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق او التمارين الرياضية الارضية .
  • احتفظ بالأدلة : نظرا لان المتلاعب يريد تشكيكك في الامور، فيجب عليك الاحتفاظ بالأدلة من المواقف السابقة . احتفظ بدفتر يوميات او مذكرات، وقم بحفظ المحادثات النصية او الرسائل الاليكترونية حتي تتمكن من الرجوع اليها في وقت لاحق. أوعند السماح لنفسك بالشك او السؤال اذا كنت خاطئ ام لا .
  • ضع الحدود : وضع حدود بينك وبين الاشخاص يجعل الاخرين علي دراية بالأفعال التي تسمح بها والافعال التي لا تسمح لهم بها في علاقتهم بك. سواء كانت هذه العلاقة علاقة صداقة أو علاقة اسرية او حتى علاقة عاطفية. والحدود دائما مسألة مهمة واساسية في أي علاقة حتى العلاقات العاطفية، بل إنها تكون غاية الأهمية في العلاقات العاطفية بالتحديد عند ظهور علامات على تلاعب الطرف الاخر بك نفسيا.
    من المهم جدا ان تذكر للطرف الاخر وتوضح له بشكل مباشر انك لا تسمح له بالتقليل او انكار اهمية ما تقوله او ما تشعر به.
  • احصل علي رأي محايد : يمكنك التحدث الي صديق واحد او الي احد افراد الاسرة حول ما تمر به، حيث ان وجهة نظر شخص اخر خارج الموضوع سوف تساعدك علي وضوح وفهم الموقف .
  • انهي العلاقة : في المرحلة التي تشعر فيها أنك لم تعد تتحمل الاساءة أو الأذى، وأن صحتك النفسية اصبحت في خطر حقيقي، وأنك لا تشعر بالأمان الكافي مع ذلك الشخص.. قد يكون إنهاء الأمر والابتعاد عن الشخص المتلاعب هو أفضل الحلول.

اذا كنت تشك انك تتعرض للتلاعب من قبل شخص معين، فإنه من الجيد التحدث الي اخصائي صحة عقلية . حيث يمكنهم إيضاح ومعرفة المزيد عن الموقف ومن ثم اكتساب وتطوير استراتيجيات جديدة تساعدك علي التكيف والتعامل مع ذلك السلوك ومساعدتك على إتخاذ القرار الصحيح.

 

المصدر

https://www.verywellmind.com/is-someone-gaslighting-you-4147470#toc-how-gaslighting-works

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النرجسي السيكوباتي .. نموذج حي للشيطان على الارض

حقائق مهمة عن اضطراب ثنائي القطب

تطبيقات الذكاء الاصطناعي للدعم النفسي